الدستور
ثروت الخرباوى
أصحاب الدِين الزائف
أرجوك اصبر واقرأ مقالى للنهاية، فسوف أتحدث معكم عن أصحاب «الدين الزائف» فأصحاب الدين الزائف «وثَّنوا» الله فى ضمائرهم، هم يرونه «صاحب شرطة» أو «مُقدم درك» له بعض الجنود الغِلاظ، وهو فوق ذلك يعمل عندهم، فهم الولاة أو السلاطين، أليسوا هم أهل التقوى وأصحاب الفضيلة، وقد أعد صاحبُ الشرطةِ لهم الجنة لتكون مراحهم ومغداهم؟! ثم إنهم أعطوه أسماءَ أهل النار وطلبوا منه أن يُلقى خصومهم فيها، ولا يُخرجهم منها أبدًا! هذا هو الله الذى ظنوه يعمل لديهم! استمع لهم وهم يأمرون الله تحت مسمى الدعاء!، وأنصت لشيخهم المُزيف وهو يقول بطريقته الآمرة وكأنه السلطان الذى يتوجه بالأمر إلى قائد جنده: أللهم رد كيدَهم فى نحورهم، واجعل تدميرَهم فى تدبيرهم، اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم نصرًا عزيزًا مؤزرًا، وبهذا يكون قد صدر الأمرُ من السلطان عبدالمقصود وليس لقائد جنده إلا أن يستجيب!

والسلطان الآخر وجدى غنيم يجلس فى مكانه ويوجه الحديث لقائد الجند قائلًا: اللهم عليك بالجيش الخائن، والشرطة الخائنة، والشيوخ الخونة، والعلمانيين الكفرة، والصليبيين المشركين، ثم يتذكر الشيخ أنه دعا هذا الدعاء من قبل وأن قائد الجند لم يقم بالواجب المنوط به، فأراد الشيخ وجدى أن يستثير حمية الله قائد جنده فقال له: «إنهم يارب لا يعجزونك» ثم يستمر فى إصدار الأوامر قائلًا: «اللهم ضعهم على خوازيق على مرأى من كل الناس لينالوا الفضيحة!» كلهم هذا الرجل، كلهم عبد المقصود ووجدى ويعقوب والحوينى وصفوت والشاطر، فعلى المنصات التى نصبوها ذات يوم وقف أحد سلاطين الدين الزائف وهو ينظر إلى طائرة تطير فى السماء ثم قال: اللهم أسقط هذه الطائرة، ولمَّا لم تسقط الطائرة أصيب بخيبة أمل، إلا أنه استعاد رباطة جأشه ثم أخذ يوجه الأوامر لله رب العالمين قائلًا: اللهم انصرنا على هؤلاء القوم الفجرة، اللهم أرنا فيهم يوما أسود كيوم عاد وثمود، اللهم اجعل الدائرة تدور عليهم، اللهم أسقط عليهم السماء كسفًا، اللهم لا تغادر منهم أحدًا.

وعندما ظنوا أن الله قد يكون قد انشغل عنهم ونسى طلباتهم السابقة، فأعطوه اللائحة الكاملة قائلين: «اللهم إن الانقلابيين الخائنين استعانوا بما فى أيديهم من سلاح وعتاد، وتقووا بأعداء الشعب والبلاد، وفوض صغيرُهم كبيرَهم فى القتل والإفساد، وإنا نستعين بك عليهم وعلى من وراءهم، نسألك أن تجعلهم للناس عبرة وآية».

ثم عندما رأوا أن طلباتهم أصبحت كثيرة رأوا أن يثيروا حميته وحماسه ببعض كلمات فقالوا «إنه لا يعجزك شىء فى الأرض ولا فى السماء». ثم أصبح اليقين كاملًا عند هؤلاء أنهم أصحاب الحق، وغيرهم هم أهل الباطل، ولكنهم فى ذات الوقت لم يروا قائد جندهم ينتصر لهم، بل إنهم نالوا الهزائم الواحدة تلو الأخرى، لا ضير فإنهم وهم الملوك سيقولون لرعيتهم إن قائد الجند لم يستجب لكم، لأن فيكم عشرات العيوب، أتريدون أن ينتصر لكم وأنتم لا تخلصون له فى الدعاء؟!

ولكن اطمئنوا فسوف ينتصر لكم فى الآخرة وسيُدخل أعداءكم النار وبئس المصير، أما أنتم ففى الجنة سوف تُسعدون، فإذا بكل واحد من أتباع هذا الدين المزيف يتلاسن مع خصومه بالنار، أليس قائد جنده أعدها لهم؟! فيقول له: سيدخلك الله النار وبئس المصير، ولا تظن أنك ستخرج منها بل ستخلد فيها مهانا، ويوم أن نقف أمام الله يوم القيامة سينتصر لنا وسيخزيكم!.

اللهم احشر فلانا مع الانقلابى فلان ومع الإعلامى فلان ومع السياسى فلان»! هم على ثقة من ذلك، لأن الله الذى يتصورونه تابع لهم، هو عندهم أقل كرامة من الخليفة الذى افتخر به يومًا الشاعر جرير وهو يهجو الفرزدق فقال: «هذا ابن عمى فى دمشق خليفة لو شئت ساقكم إلىّ قطينا» أى لو شئت ساقكم إلىّ خدمًا وعبيدًا، فلما بلغ عبدالملك بن مروان قوله،قال: ما زاد ابن كذا وكذا إلا أن جعلنى شرطيًا له،أما أنه لو قال: لو شاء ساقكم إلى قطينا لسقتهم إليه. أمَّا هؤلاء من أصحاب الدين الزائف فلا يبحثون إلا عن مشيئتهم هم لا مشيئة الله، فالله الذى أنزل إلينا الإسلام الصحيح هو الذى قال لنا «فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى» وهؤلاء لا ينفكون ليلًا ونهارًا عن تزكية أنفسهم، والله رب العزة حذرنا من ادعاء الخيرية، فقال لنا عن جريمة إبليس أنه خرج مذءومًا مدحورًا من رحمة الله عندما ادعى الخيرية لنفسه فقال «أنا خيرٌ منه»، الله نهانا عن الزعم بأن الجنة ستكون لنا وحدنا دونا عن خلق الله أجمعين، فقال لنا عن أمراض الأمم السابقة «وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ».

ثم قال الله بعدها «بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ». ثم علَّمنا الله فى إسلامنا الصحيح حسن الأدب مع الله، فليس لنا أن ندعو على أحد أبدًا، بل ندعو لأنفسنا بالخير ولندع لنا وللآخرين بالهداية، إذ لا نعلم موقعنا عند الله رب العالمين، فلا تتألوا على الله، ولم يرد فى القرآن الكريم دعاءٌ على أحد اللهم إلا الدعاء الذى قاله سيدنا نوح على القوم الكافرين بعد أن أخبره الله بأنه لن يؤمن من قومك إلا من آمن، أما كل القرآن فليس فيه إلا أدعية الخير والرحمة، مثل «ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة» وقوله تعالى «ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا» وقوله «ربنا ولا تحملنا ما لاطاقة لنا به» وقوله «ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا» وقوله «ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا» وهكذا.

حتى إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما كُسرت رباعيته يوم أحد ودمى وجهه، فقال: كيف يفلح قوم خضَّبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ فأنزل الله تعالى «ليس لك من الأمر شىء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون» ليس لك من الأمر شىء يا محمد، مهمتك فقط أن تدعوهم للإيمان، أمَّا ما فعلوه بك فأمره لله فقط، وتأمل هذه الآية لتعرف أن الله قال للرسول، (صلى الله عليه وسلم)، إنه قد يتوب عليهم! يتوب على من؟!

على الكفار الذين حاربوه وكسروا رباعيته، وعندما ذكر الله تعالى توبته عليهم أسند الفعل إليه هو وحده، ولم يذكر سببًا موجبًا لتلك التوبة، ولما قال سبحانه «أو يعذبهم» ذكر أن سبب العذاب هو ظلمهم، ليدل ذلك على كمال عدل الله وحكمته، حيث وضع العقوبة موضعها، ومع هذا كله فإن العبد المظلوم لا شأن له بالقصة كلها فهى مع الله، ألم يقل للنبى، (صلى الله عليه وسلم)، «ليس لك من الأمر شىء» هذا هو ديننا، وهذا هو دينهم وبينهما بُعد السماوات والأرض
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف