محمود سلطان
الإسلاميون.. خياران أحلاهما مر!
حتى قبيل أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، لم تلتفت القوى الغربية الكبرى إلى حقيقة أن "الظاهرة الإسلامية"، ليست صنيعة بيئتها السياسية المحلية وحسب، وإنما هي محصلة تقاطع سياسات "الداخل" مع إملاءات "الخارج" وشروطه.
لم يتوقع الغربيون وعلى رأسهم الإدارة الأمريكية، أن تتحول الحركة الإسلامية، إلى حركات "عابرة للحدود"، إذ كان مستقرا في توقعات المراقبين الغربيين، أن مشكلة هذه الجماعات، هي مع أنظمتها الاجتماعية بسبب قابليتها لـ"التغريب" ومع أنظمتها السياسية بسبب ميلها إلى "الاستبداد".
كانت الدول الغربية تراقب هذا المشهد، وكأنها ليست طرفا في صناعته، فالمشكلة والحال كذلك، مشكلة عربية داخلية، وليس ثمة ما يبرر أن تحترق عواصمها بنار الفتنة التي يكتوي بها العالم العربي. فضلا عن ارتياحها إلى طريقة تعاطي الأنظمة العربية مع تلك الحركات، وترك الأخيرة بدون أي غطاء "حقوقي دولي"، يخفف عنها قسوة القمع الرسمي، الذي تعرضت له على مدى الخمسين عاما الماضية. باعتبار أنها قوى "دينية متطرفة" بطبيعتها، وتشكل حال وجود تمثيل سياسي لها بالسلطة، تهديدا خطيرا على مصالح الغرب في المنطقة.
وبقدر ما كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر "مفاجأة"، فيما يتعلق بالتخطيط والدعم اللوجستي والتنفيذ، فإن استعادة دلالتها السريع من قبل الإدارة الأمريكية أحدث انقلابا كبيرا في طريقة قراءة وفهم تفاصيل الحياة السياسية في العالم الإسلامي، ومسئولية القوى الغربية الأخلاقية والتاريخية في ما وصلت إليه هذه الحياة من أزمات، يدفع الغرب ذاته ثمنها من "أمنه الداخلي" وتآكل قدرته على حماية مصالحه في العالم الإسلامي.
صحيح أن طريقة الفهم اختلفت وتباينت، وبعضها استغل في تزييف الحقائق وفي التحريض على الدول الإسلامية، باعتبار أن الكراهية والتطرف يتحمل مسؤوليتها المسلمون فقط، على أساس أن "كراهية" المسلمين للغرب ترجع -كما يقول برنارد لويس- إلى هزائمهم المتلاحقة أمام المسيحية الغربية، على مدى القرون الثلاثة الأخيرة، أو بحسب زعم ريتشارد بيرل، إلى عام 1683 عندما فشل المسلمون في ضم "فيينا" المسيحية إلى العالم الإسلامي!!. وهي الرؤية التي يتبناها على وجه الإجمال المحافظون الجدد في الإدارة الأمريكية، وهو تيار سياسي ديني متطرف، معروف بميله الشديد إلى تبني الرؤية المسيحية الصهيونية في تفسير حركة التاريخ و استشراف محطاته المستقبلية.
وهي الرؤية التي خدمت روح الجمود السياسي، وتعطيل مشاريع الإصلاح أو المماطلة والتسويف في المبادرة إليها من قبل الكثير من الأنظمة العربية، إذ دأبت الأخيرة على تخويف الغرب من "البعبع" الإسلامي، الذي يستطيع الوصول إلى الحكم حال إجراء إصلاحات سياسية تتيح له المشاركة في الحياة السياسية العامة، محذرة واشنطن من أن اعتلائهم سدة الحكم، متزامنا مع وجود النزعة المحافظة المتشددة في الإدارة الأمريكية، ينذر باندلاع "حرب دينية" بين الشرق والغرب، يعيد العالم إلى ويلات حروب التي كانت سائدة في العصور الوسطى.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى