المخاطر التي تواجه العرب كثيرة ومصادرها عديدة. قد يحتاج حصرها إلي بحث طويل. لكن اعظم هذه المخاطر -في تقديري- هو تحويل الصراع مع اسرائيل إلي صراع ديني تتصادم فيه رؤيتان دينيتان بينهما الكثير من التنافس وربما التناقض. وقد رفعت ازمة الاقصي خلال الايام الماضية مؤشرات الصراع الديني لولا ان حكومة بنيامين اتسمت بقدر من الذكاء السياسي والمرونة برفع البوابات الاليكترونية من امام مداخل المسجد الاقصي ولم يتحقق ذلك الا بفضل شجاعة الفلسطينيين ومقاومتهم وصمودهم.
وحينما اصنف الصراع الديني بأنه الاخطر علي الاطلاق فإنني اعني ما اقول فصراع من هذا النوع يهدد كيان المجتمع العربي ذاته ويقضي إلي غياب حقيقة ساطعة وهي ان اسرائيل هي كيان عنصري استيطاني وظيفته قتالية لكونه قاعدة استعمارية استراتيجية للغرب اما هدفه فهو وقف نمو العرب وتعدمهم اقتصاديا وعلميا واجتماعيا وسياسياً وبالتالي تحويلهم إلي شعوب مذعورة متخوفة مستهلكة فقط لما يلقي اليها من الحضارات الاخري خاصة الغرب الاستعماري.
غير ان هذه العبارات التي تسجلها الادبيات السياسية العربية القديمة لا تعني ابداً ان اسرائيل نمر شرس يستحيل ترويضه انما تهدف اولا إلي ادراك ومعرفة ماذا تريد اسرائيل ولماذا تقف وراء الكثير مما يجري في المنطقة وما حقيقة اسرائيل؟ وماذا قدم لها العرب؟
قد يندهش البعض حينما يعرف ان اليهود هم ابناء عمومة العرب وكلاهما اي العرب واليهود من ابناء سام ابن نوح والعرب واليهود ينحدرون من نسل ابراهيم عليه السلام فالعرب ينحدرون من نسل اسماعيل واليهود من نسل يعقوب وهما ابناء ابراهيم الذي يعود إلي سام ابن نوح.. ونحن لا نقول ذلك من قبيل التودد لليهود فنحن جميعاً نعرف قصة سيدنا ابراهيم الذي جاء إلي مصر بصحبة زوجته سارة قادمين من فلسطين بعد ان اصابها القحط واهداه ملك مصر.. وكان من العرب العماليق.. هاجر لتكون خادمة لسارة فتزوجها ابراهيم وانجب منها غلاماً ذكيا هو اسماعيل.
ومصر هي التي آوت بني اسرائيل واكرمتهم واسكنتهم في منطقة الدلتا وتحديداً في محافظة الشرقية الآن وذلك بعد ان مكن الله ليوسف في مصر احضر اباه يعقوب واشقاءه وكان عددهم 66 شخصا بخلاف 10 نساء وعاشوا علي ارض مصر 450 عاماً حتي بعث الله سيدنا موسي ليخلصهم مما يسميه اليهود "العبودية" ويقال ان عدد بني اسرائيل بلغ 660 شخصا بخلاف النساء عند الخروج ولم يدخل بنو اسرائيل فلسطين الا بعد التيه الذي استمر 40 عاماً في سيناء وكان دخولهم بقيادة يوشع بن نون وفي عهد الملوك ازدهرت اسرائيل في عصري داوود وسليمان ثم انقسمت إلي مملكتين متعاديتين وتعرضت الدولتان للتدمير وتعرض اليهود للسبي "الاسر" علي ايدي الاشوريين والبابليين ولم يعيدهم إلي فلسطين الا فورش ملك فارس ثم تعرضوا للشتات علي ايدي الردمان سنة 70 ميلادياً وظلوا مشتتين حتي انشاء دولتهم 1948 بعد ان كادوا يفنوا علي يد هتلر والملاحظ علي اسرائيل اليوم ان من يديرها ويتحكم في قرارها واقتصادها هم اليهود الغربيون "الاشكناز" وهم ليسوا من بني اسرائيل انما اعتنقوا اليهودية علي مر العصور اما اليهود الشرقيون "السفارديم" فهم الاقرب نسبا للعرب.
ونحن لا نطالب اليهود بالتخلي عن معتقداتهم انما نطالبهم بالنزول إلي ارض الواقع والتعايش فالرؤية القائمة علي التوسع وان الآخرين اقل شأنا لن تؤدي الا إلي المزيد من الحروب وسفك الدماء.