"نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا" تكاد تنطبق مقالة الأمام الشافعي رحمه الله علي تفشي ظاهرة التحرش التي أصبحت تمثل وباء وفيرس وداء أصاب الكثير للأسف الشديد في العالم والبلدان الإسلامية والعربية ومصر الحبيبة بشكل خاص رغم تعاليم ديننا وعاداتنا وتقاليدنا التي تغيرت من الحرام ثم العيب ومن التخفي للمجاهرة والتحرش الجماعي بل مفخرة للكثير ، ثم أصبح التحرش وسيلة للابتزاز والمكايدة حتي صار ظاهرة تسبب ضرراً نفسياً وجسديا وفسادا يهدد إستقرار المجتمعات والأسر وأجيال من مستقبل يحدوه الأمل إلي كابوس مظلم ومفسدة للأخلاق بشكل عام .
لا يعد التحرش بالاعتداء المباشر فقط بل تكثر صوره المشوه من اللفظي أو النظرة والحركة والإغواء وقد يتلون من تبادل النكات والتعليقات والتلميحات وطلب اللقاء والنظرات الموحية ثم التلامس والتحسس والابتزاز ، نعم من منا لم يتعرض أو يشاهد يوميًا مئات حالات التحرش منذ نزوله من بيته في كل مكان حكومي أو خاص تعليمي بكافة مراحله بالمستشفيات والنوادي الصحية والرياضية والمصالح الحكومية والشوارع والمواصلات العامة والخاصة حدث ولا حرج ، أنه خلل لم تعد المرآة التي تتعرض للتحرش الجسدي والمعنوي واللفظي والمادي والاجتماعي والاقتصادي والتعليمي والصحي في الأماكن العامة والخاصة فقط بل شمل الرجل والطفل حتي الرضع ، بل أصبح كل من له سلطة في مكانه أن يستغل بوابة الدنائة هذه لتحقيق مآربه الخسيس وكان يعلل للمتحرش في الماضي بقل التعليم أو الفقر وساكني العشوائيات لكنه أصبح للكافة تعليمياً ووظيفيا ومكانة اجتماعية وأصحاب الياقات البيضاء لغياب الدين وفساد الأخلاق وردع القانون ونبذ المجتمع .
وإن كنت أجد حادثة التحرش حديث الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي ونميمة المواصلات ومواقع العمل التي تشهدها كلية أعلام القاهرة كاشفة لما وصلت إليه ظاهرة إبتزاز الطلاب من بعض أستاذه العلم بالجامعات كشرط للنجاح في موادهم ، وإن كنت أترك بشاعة صحة الواقعة من عدمها لجهات التحقيق داخل الجامعة وللنيابة العامة ، ولكني مستغرب من تأكيد العديد من الطالبات عن إبتزاز هذا الدكتور الجامعي الدائم لهم وعرضه عليهن مقابلته في الكافيه الذي يملكه بالدقي مع إحضار هدايا شرطا للنجاح في مادته، والأغرب تأكيده نفسه في مداخلة مع الإعلامي وائل الإبراشي نفيا ذلك لا لمكانته العلمية أو أخلاقه المعهودة وسط زملائه وطلابه علي مر تاريخه الجامعي أو تربيته بل فخره بقدرته المالية ساعة يد ثمنها ١٥ ألف دولار وكافيه بالدقي، ويتفاقم إستغرابي من كون هذا الدكتور محال للتحقيق الجامعي منذ ٤ أشهر في واقعة أخري وتمت إحالته للتأديب ولكن لم يستكمل التحقيق معه بحجة أنه محجوز بالمستشفي نتيجة جلطة " مرض سياسي" .
أنه من المؤكد لو فتح ملف الإبتزاز بمختلف أشكاله السيئة والفاسدة داخل مؤسستنا التعليمية وخاصة الجامعية لوجدنا حكاوي تشيب الرؤوس لطلاب ذهبوا ليتعلموا العلوم والأخلاق فوجدوا إستغلال المناصب والغش والقمع من بعض من فقدوا الضمير والخلق ومكانة المعلم وانساقوا وراء غرائزهم وأمراضهم النفسية والعقلية، وجيد أن يؤكد الدكتور محمد الخشت رئيس جامعة القاهرة أنه في حال ثبوت تورط الدكتور في واقعة الإبتزاز الجنسي ستطبق أقصي عقوبة وأنه إحال الأمر للنيابة العامة ، وجيد جداً تأكيده أنه يدرس مع مجلس الجامعة تغيير طرق تعيين أعضاء هيئة التدريس حسب التفوق العلمي فقط وإنما يكون صاحب شخصية متكاملة .
لتكن تلك الواقعة جرس إنذار لوجوب تطبيق القانون ضد هذه الظاهرة التي تسئ لمؤسساتنا التعليمية وتكون طوق نجاة لكثير من الطالبات يمنعهن الخجل ونظرة المجتمع والخوف من الأهل والرغبة في النجاح من الصمت القاتل لحياة سوية مستقبلاً .. وإن كان القانون الذي قام بتعديله المستشار عدلي منصور في يونيو ٢٠١٤ جعل عقوبة المتحرش ستة أشهر وغرامة تصل إلي ٥٠ ألف جنيه لم يعد رادعًا ووجب إقرار مجلس النواب مشروع بتغليظ العقوبة أكثر من ذلك .. حتى لا تنتهي تلك المشكلة كسابقيها ونفاجئ بواقعة أخري أكثر إيلاما ، ولنحاسب أنفسنا في مرآة الصدق فنجد متحرشين في صور مختلفة.