جمال سلطان
الزمالك والفيصلي وجدل السياسة والكرة
في أعقاب مباراة نادي الزمالك مع نادي أهلي طرابلس الليبي في مسابقة كرة القدم الأفريقية أظهر عدد كبير من مشجعي الزمالك غضبهم على اللاعبين أو على الحكم أو على الإدارة وأثاروا بعض الشعب وتحطمت بعض المقاعد ، فتم القبض على حوالي مائتين وخمسة وثلاثين "مواطن" مصري في محيط استاد برج العرب ، حيث أقيمت المباراة ، وتم تقديمهم للنيابة التي قررت حبسهم ثم أمدت حبسهم مددا أخرى ، وكثير منهم ما زال محبوسا حتى الآن ، وهذا الأسبوع ، كانت مباراة أخرى بين فريقي الفيصلي الأردني والترجي التونسي في بطولة عربية لكرة القدم ، على نفس الاستاد ، استاد برج العرب ، ويبدو أن مشجعي الفيصلي غضبوا من بعض قرارات الحكم فقاموا بأعمال شعب وحطموا بعض المقاعد في مدرجات الاستاد واعتدوا على إداريين وعمال ، وهو سلوك شائع في مباريات الكرة في أي بلد ، فقامت قوات الأمن بإلقاء القبض على حوالي أربعين "مواطنا" أردنيا ، لتقديمهم إلى القضاء ، مثلما حدث مع "المواطنين" المصريين من مشجعي الزمالك ، غير أن المفاجأة أن السفير الأردني في القاهرة أعلن صبيحة اليوم التالي أنه توصل إلى اتفاق مع السلطات المصرية انتهى بالإفراج الفوري عن جميع "المواطنين" الأردنيين المحتجزين ، وتم تسفيرهم إلى الأردن مباشرة .
المفارقة هنا كانت مؤلمة للغاية ، لأن الواقعة واحدة ومتطابقة بين المباراتين ، وبين المشجعين ، مشجعي الزمالك المصري ومشجعي الفيصلي الأردني ، فيتم التنكيل "بالمصريين" وحبسهم وتجديد حبسهم وتقديمهم للمحاكمات وتشريد أهاليهم خلفهم بين الأقسام ومراكز الاحتجاز والسجون ، بينما "الآخرون" غير المصريين ، يتم التسامح معهم وترضيتهم والسماح لهم بتحطيم المقاعد وإثارة الشغب ثم يغادرون معززين مكرمين ، المسألة هنا خارج حدود التصور بالفعل ، واثارت غضبا مستحقا لدى قطاع واسع من المصريين ، حتى من ليس لهم اهتمامات بالكرة ، أو من مشجعي أندية أخرى غير الزمالك ، شعروا بالإهانة وجرح الشعور الوطني ، حيث يتم التعامل مع "المواطن" المصري في وطنه بقسوة شديدة وإهانة ، وإشعاره دائما أنه "أقل" من غيره ، في حقوقه وكرامته وآدميته .
بدون شك ، فإن السلوك الرسمي للسلطات المصرية تجاه الواقعتين كانت تقف في خلفيته السياسة وحساباتها ، فمشجعو الفيصلي الأردني ليسوا جزءا من الاشتباك السياسي الحادث في مصر ، وليسوا خصوما للمستشار مرتضى منصور صديق المشير طنطاوي ، فصحيح أنهم ارتكبوا جريمة ، وتعتبر اعتداء على منشأة عسكرية ، كما أن التشريعات المعمول بها حاليا تجعل من البديهي إحالتهم إلى المحاكمة العسكرية ، ومع ذلك تم العفو عنهم والتسامح معهم رغم ثبوت جريمتهم ووضوحها بالصوت والصورة ، إلا أنهم ليسوا معارضين للنظام في مصر أساسا ، ولا يشغلهم الأمر ، بينما مشجعو الزمالك يتم تصنيفهم باعتبارهم من "بقايا" ثورة يناير ، وأنهما يعارضون "ممثلي" السلطة ، في النادي أو في الشارع على حد سواء ، وبالتالي كانت السياسة حاضرة في الحسابات المختلفة بين الطرفين ، وليست العدالة ، كان كان الصراع السياسي هنا حاضرا على حساب أبسط معاني "الوطنية" .
حب الوطن وتقديسه وإعلام قيم الوطنية لا يكون بمحض هتاف جاف وبارد ومفتعل ، بمناسبة وبغير مناسبة : "تحيا مصر" ، وإنما الوطنية هي سلوك عملي ورمزي ، يؤكد في كل موقف على أن المصري كريم في وطنه ، وأنه "المواطن" صاحب السيادة وليس المستباح كرامته ومواطنته ، الوطنية إثبات واقعي متجدد بأن السلطة تعلي من قدر المواطن وتحفظ له حقه في العدالة وحتى في التسامح ، وليس أن تضعه تحت سيف بطشها وتنكيلها بينما تتسامح مع "الأجنبي" وتحترم كرامته وآدميته على حساب الوطن وأهله ومقدراته .
عبارة تسمعها دائما من المصريين العاملين في الخارج كلما تعرضوا لمحنة أو مظلمة في غربتهم تستباح فيها حقوقهم أو كرامتهم ، فتسمع أحدهم يقول : لما هانت كرامتنا في وطننا كانت على الآخرين أهونا ، .. عندهم حق .