الدستور
أحمد بهاء الدين شعبان
ثقافة الشباب.. وشباب الثقافة
على مدار أيام الأسبوع الماضى، كانت مدينة «الأقصر» مسرحًا لحدث مهم، هو مؤتمر شباب الفنانين والمبدعين والمثقفين، الذى عُقد تحت عنوان: «دور الشباب فى الإصلاح الثقافى». وهذا المؤتمر قام على تنظيمه «لجنة ثقافة الشباب» بالمجلس الأعلى للثقافة، وشاركت وزارة الثقافة، وفى مقدمتها الوزير، كلٌ فى مجال تخصصه، وعملت على إخراجه بالصورة الناجحة التى بدا عليها.
كانت أيام المؤتمر مناسبة طيبة للتواصل مع ٢٥٠ فتى وفتاة، من أبناء هذا الوطن، اختيروا من بين ١٨٠٠ متقدم للمشاركة، من كل محافظات مصر، أتوا مُحملين بالأمل، ومدفوعين برغبة مخلصة، وبعيدا عن «البروباجندا» السياسية، فى خدمة هذا الوطن، وتطوير أوضاعه عامةً، والثقافية على وجه الخصوص.
وكدروس مستفادة، فإن أول أسباب نجاح هذا المؤتمر، فى اعتقادى، كان التزام الشفافية الكاملة فى الإعداد له، واختيار المشاركين فيه، وفق معايير وضوابط موضوعية، لا تخضع للأهواء والمصالح، منها شرط السن: «١٧ ـ ٣٥ عامًا»، والكفاءة، والموهبة.
أما ثانى أسباب النجاح فكان مناخ الحرية الذى توافر للمشاركين فيه، فأبدوا آراءهم دون قيد أو حد، وعبّروا عن مكنوناتهم، دون قمع أو وصاية: حرية الفكر والعمل والتعبير والاختيار، أشعرت الشباب المُشارك بأن هناك من يتفهم مشاكلهم، ويدرك هواجسهم، ويتضامن مع آمالهم، ويشاركهم أحلامهم، فتجاوبوا مع هذا الأمر، فى طرح أفكارهم، والتعبير عن أحلامهم، وعرض رؤاهم ومشاريعهم.
الملحوظة الأساسية التى خرجتُ بها من هذا المؤتمر، وقد تابعت كل تفاصيله وأعماله، من موقعى كمقرر للجنة ثقافة الشباب، بالمجلس الأعلى للثقافة، وكرئيس للمؤتمر، أن شباب مصر بخير، ويملك إمكانات هائلة على العمل والإبداع، وأن ما يبدو من مظاهر سلبية، هو قشرة سطحية، تراكمت بفعل سنوات القحط، وعقود الركود والتجاهل، وانتشرت بفعل مفاهيم خاطئة، أثَّرت على قنوات تربية وتعليم وتثقيف وتوجيه هذه الصفوف الطويلة من الأبناء، وأعاقت التواصل الطبيعى، والضرورى، بين الأجيال، القائم على الثقة، والاستمرارية، لنقل الخبرة والإعداد للمسئولية، والتأهيل لحمل أمانة قيادة الوطن والدولة، ومواجهة تحديات مصيرية، فى المستقبل الذى لا يبدو بعيدا.
وقد أثار الشباب فى مداخلاتهم وتوصياتهم العديد من القضايا بالغة الأهمية، بدءا من ضرورة توافر مناخ الحرية اللازم لكل فعل مبدع، إلى ضرورة فتح كل النوافذ والشبابيك أمامهم حتى يطوروا قدراتهم، بعيدا عن الوصاية والبيروقراطية، وعشرات التوصيات التى مسّت كل تفاصيل العمل الفكرى والثقافى، إلى حد وجود توصية مهمة، رغم بساطتها، بضرورة إعادة تدريس مادة «الخط العربى» فى المدارس، لأن الشباب، ومنهم خريجون جامعيون، يدركون أن غياب هذا الأمر أدى إلى افتقاد الملايين منهم هذه الملكة المهمة.
وكان من أهم محاور المؤتمر محور «الفن كقوة ناعمة»، فكلنا يدرك الدور العظيم الذى لعبته عناصر الثقافة والفكر والإبداع الفنى، فى نشر النفوذ الأدبى والسياسى المصرى فى المنطقة. فأفلام السينما، وأعمال الموسيقى والغناء، وإبداعات العقل، وإسهامات العلم والمعرفة- كانت زاد شعوب الوطن العربى والشرق الأوسط، وأساس تثقيف قادتها وشبابها لعقود طويلة.
وحينما ران الركود على الوضع المصرى، وترهلت الدولة وعجزت عن تطوير نفسها وتحديث أدواتها، سمحت لقوى أخرى، طامعة لوراثة الموقع المصرى، اعتمادا على سطوة المال، بأن تُزاحمها فى هذا المجال الحيوى، وهو أمر يجب ألا يستمر، لأن تكريسه يسبب خسارة أكيدة لمصر، ويهدد مصالح شعبها، وقيادتها الموضوعية للمنطقة، ومن هنا جاء هذا المؤتمر الذى يمثل جهدًا طيبًا فى مجال إعادة بناء وتأهيل النخبة الثقافية الجديدة التى ستتحمل مسئولية استعادة مواقع الريادة الثقافية المصرية فى المنطقة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف