جلال حمام
مصر تصنع الغد.. بالعلم والسلاح
لا أحد يقدر على مصر.. هكذا يقول التاريخ وتؤكد أحداثه.. صحيح، قد يبدو شعبها، فى أوقات بعينها، ضعيفًا مستسلمًا، لكن مكامن القوة بداخله سرعان ما تُستنفر ويسترد كرامته ممن حاول سلبها.
ترك الحملة الفرنسية لثلاث سنوات، ثم دحرها بعد أن تغير على «المحروسة» ثلاثة قادة فرنسيين، نابليون صاحب الحملة الذى دخل الأزهر بخيوله، ثم كليبر الذى قتله سليمان الحلبى، وآثر آخرهم «مينو» السلامة، فتزوج من «زبيدة» رشيد ورحل بجنوده.. وجاء الإنجليز من بعدهم، ومكثوا سبعين عامًا ذاقوا خلالها وبال أمرهم، قبل أن يقرروا الجلاء عن مصر، حاملين عصاهم إلى غير رجعة.. تجرع المصريون مرارة الهزيمة فى يونيو ١٩٦٧، ولكنهم سقوها للإسرائيليين كئوسًا مريرة، فى حروب الاستنزاف والعمليات الفدائية خلف خطوط العدو.. على الجانب الآخر من قناة السويس، قبل أن تنطلق معركة الكرامة فى أكتوبر ١٩٧٣، تقف على إثرها، جولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل، تبكى من شر الهزيمة التى لحقت بجيشها، فى ست ساعات.
صبر المصريون على حكم مبارك ثلاثين عامًا، ذاقوا خلالها ويلات الفساد والمحسوبية، وأنانية الكبار التى حرمت جموع الشعب من العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، حتى جاء ٢٥ يناير، فهب الشعى لاسترداد كرامته.. لكنهم لم يصبروا على حكم جماعة الإخوان ورئيسهم مرسى غير عام، لأنهم قرأوا الكتاب من عنوانه، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، ولا يليق بهذا المؤمن أن يُغمض عينيه عن المصيبة وقد بدت ملامحها، فكان ٣٠ يونيو يوم تلاحم الشعب مع جيشه العظيم وشرطته القوية بالحق.. قواته المسلحة التى هى سنده وقوته ومكمن عزه، وفيها الآباء والأبناء والإخوان وأبناء العمومة والخال، نسيج الشعب الواحد الذى لا تنفصم عُراه، والشرطة حامية الدولة المدنية من اعتداء أى خائن داخلى، يريد أن يهدد أمن المجتمع وسلامه.. الشرطة، الجهاز الذى أساء الطاغوت إلى صورته، بأن جعله «بعبعًا» يحكم به الشعب لثلاثين عامًا، قبل أن تتغير الصورة ويدرك الجميع أن الشرطة هى ظهير الحماية وليست عدو المواجهة.
لكنَّ نفرًا من البشر لا يريدون لهذه الصورة تعميمًا ولا بروزًا، وجُل همهم أن تعود إلى سابق عهدها من التشويه، حتى يقف المواطن دونها، عاريًا فى الميدان، من أى حماية تحمى مكتسباته الثورية، خاصة ممن سرقوها مرة، ومازالوا يحاولون ثانية.. يفجرون المواقف فى كل حين ومكان، يفتعلون الأزمات ويصنعون المواجهات، صناعة مكشوفة، لعلها تلقى بجهاز الأمن فى أتون صورته القديمة، سعيًا منهم لتقديم صورة مصر للعالم، وكأنها الدولة البوليسية، صاحبة القبضة القاهرة لشعبها، وما أكثر من يسعون إلى تصدير هذه الصورة من أعداء الداخل، وما أكثر من ينتظرونها من أعداء الخارج، الذين خابت مؤامراتهم فى ٣٠ يونيو.
نحن إذن فى مرحلة صناعة الصورة الشائهة عن الأمن فى مصر، بعدما فقدت جماعة الإخوان قوتها، بفرار قادتها ومؤيديها إلى دول أخرى، وتوارى العقلاء من منتسبيها فى بيوتهم، لإيمانهم بأن الإخوان لم يعودوا كما كانوا من قبل ولم يبق فى الشارع إلا سابلة وغوغاء من المضَلّلين والمأجورين، تحركهم غباءات قاصرة، تستغل حمية بعض الشباب فى إحداث الصدام مع الدولة، لأنهم لم يعودوا يقدرون على شىء إلا رسم صورة مقصودة، كاذبة، لكنها قد تنفع عند من يتربصون بهذا البلد.
لكننا، على الجانب المواجه، نصنع الغد الآمن المزدهر، بسواعد مصرية، يحكمها العلم، الذى احتفل الرئيس عبدالفتاح السيسى، مع المفكرين والنابغين والعلماء، بعيده أوائل هذا الأسبوع، وصدر عنه ما صدر من قرارات، تنتصر لعصر العلم وشيوعه، وتعتبره منهجًا للحياة وطريقًا للمستقبل، وعينه على الشباب، مستقبل هذه الأمة ووسيلتها فى التنمية، التى تتوجه إليه ـ عينه ـ ثمارها.. مدارس للنابهين، وأخرى للنشء، على أسس من التوجهات العلمية التى تتبنى أولادنا صغارًا، فتكتشف فيهم مكامن الإبداع، حتى تكون هاديًا فى توجيههم، فيكونوا بعد ذلك، عقولًا تشد من أزر بلادهم، وتدفع بها إلى مصاف الدول المتقدمة فى العلم والتكنولوجيا.. حراك علمى غير مسبوق، تحفزه جوائز قررها الرئيس للنابغين، وإقرار بأهمية التكنولوجيا فى حياتنا، وضرورة التعليم الفنى على أسس رشيدة، تتوخى مصلحة الوطن، وتنتج مؤهلين لسوق العمل، فى الداخل والخارج، لأن أمة بغير علم، وبغير تسلح بعلوم التكنولوجيا، أمة تخلت عن مكانتها على خارطة المستقبل.
مصر ترسم الآن صورتها الجديدة، دولة تتسلح بالعلم، كما تدعم مكانتها عسكريًا، فقوة العلم والسلاح صنوان لا يفترقان، بل إن أحدهم بغير الآخر طير بحناح واحد لا يقدر على الطيران.. ولذا، فإن لهذا الأسبوع مذاقًا خاصًا وطعمًا جديدًا.. فيه نحتفل بالذكرى الأولى لافتتاح قناة السويس الجديدة، شريان الحياة الذى عظّم مكانة مصر، وأكد دورها المهم، كشريان للتجارة العالمية، بمواصفات بحرية لا تتوافر لغيرها من المجارى المائية حول العالم، وهذا يعنى رافدًا اقتصاديًا جديدًا، ينتظم فى عقد الإصلاحات الجارية على أرض المحروسة، يجنى الجيل الحالى بعض ثمارها، وينعم أبناؤنا بكل ثمارها الطيبة فى الغد القادم.. الصورة الرائعة تزيل تلك التى يحاول أهل الشر ترسيخها عن أرض الكنانة وهى تشق طريقها إلى المستقبل، بإيمان بقدراتها وتمسك بحبل الله المتين، وتعظيم لقوتها التى تحمى الحق التى هى عليه.. وتتزامن كتابتى لهذه السطور مع اللحظة التى تتسلم فيها مصر الغواصة الثانية، فى مدينة «كيل» الألمانية، ضمن اتفاق بأربع غواصات، تنضم للقوات المسلحة المصرية، بين عتاد عسكرى، انضم لجيشنا الأبى خلال الفترة الماضية، عظّم من قوته البرية والبحرية والجوية، فنكون بذلك قد ملكنا الحسنيين فى جيش من أبنائنا، قوة العقيدة، ومنعة السلاح.. فهل يقدر أحد أن يُخيف مصر بعد ذلك، وهى التى لم تخف، حتى قبل أن تتعاظم قواها العسكرية، كما هى عليه الآن؟.