الجمهورية
على هاشم
بالعلم.. تتغير مصر إلي الأفضل
* لا يمكن لأمة تطمح في مستقبل أفضل- كما قال الرئيس السيسي في الاحتفال بعيد العلم ـ ألا أن تضع العلم الحديث في مكانه المستحق كطريق وحيد لتحقيق ما نصبو إليه من نمو اقتصادي مستدام وتنمية اجتماعية شاملة.. ولمَ لا والدستور مهَّدَ الطريق أمام العلماء والشباب فجعل العلم حقًا للجميع . وكفل حرية البحث العلمي . وألزم الدولة برعاية الباحثين والمخترعين فالعلم والتكنولوجيا والإنتاج مكونات رئيسية لأي تنمية وجوهرها الحقيقي . ونحن في أشد الحاجة لمخترعات علمية وتكنولوجية جديدة ومتطورة في مجالات الصحة والدواء والزراعة والغذاء والفضاء والطاقة البديلة والسيارات ومعالجة المياه والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ولابد ـ والكلام للرئيس أيضًا ـ من إيجاد وسائل من الربط بين المؤسسات العلمية والبحثية من ناحية. والمؤسسات الإنتاجية من ناحية أخري » حتي نستفيد من العلم والعلماء وتطبيقاتهم .. أروني دولة تقدمت بغير العلم . أمريكا مثلاً ما تسيدت العالم . وانفردت بزعامته كقوة كونية وحيدة إلا بعد تفوقها الكاسح علي الروس في العلوم » بعدما كانا قطبين متنافسين. ينازع أحدهما الآخر في حرب باردة. استمرت أعوامًا حتي دانت قيادة العالم لأمريكا التي دق رئيسها رونالد ريجان في التسعينيات ناقوس الخطر حينما استشعر خطر تقدم الروس علميًا وتراجع بلاده لاسيما في الرياضيات والعلوم الطبيعية . بعد صدور تقرير مشهور عنوانه " أمة في خطر " وكان بمثابة صرخة مدوية أظهرت مدي الخطر الذي يتهدد أمريكا جراء انخفاض المستويات التحصيلية والأكاديمية لطلابها . ومن يومها تبارت واشنطن لإصلاح تعليمها حتي صارت بفضل بحوثها ودراساتها العلمية ومكتشفاتها الأكثر تقدمًا والأقوي اقتصادًا .. والسؤال : هل تجد دعوة الرئيس السيسي بضرورة النهوض بالتعليم والعلم كأولوية قصوي استجابة من أطياف المجتمع كله .. ألم يحن الوقت لإفساح المجال أمام علمائنا وشبابنا لنخرج من الصندوق والوادي الضيق إلي آفاق أرحب ومستقبل أفضل عبر تنمية روح الإبداع والابتكار في عقول صغارنا وشبابنا .. آن الأوان ليتقدم أهل العلم والخبرة علي أهل الثقة والحظوة .. آن الأوان لأن تسترد مصر عافيتها باستعادة عقولها المهاجرة لإنقاذ اقتصادها وتعليمها .وإنقاذ وطن يصارع للبقاء. وأن يتحمل الكل نصيبه في المسئولية والكفاح .وأن تحدث مشاركة مجتمعية ينهض بمقتضاها القطاع الخاص بدوره الواجب في دعم العلم وإستراتيجية البحث العلمي. وتبني صغار المخترعين ونوابغ الباحثين. وربط المخترعات وبراءات الاختراع بالإنتاج وسوق العمل . لتجني مصر قيمة مضافة لاقتصاد المعرفة المبني علي إسهام العقل البشري في توليد الثروة والخروج من المشكلات والأزمات المعقدة .
فهل تجد دعوة الرئيس آذانا صاغية من الإعلام» فيجعل الأخير النهوض بالتعليم والعلم أولي أولوياته حتي يمكننا أن نقضي علي الأمية والجهل والفقر والتطرف والإرهاب والفساد والإهمال.. هل تستنفر الأحزاب وشتي مكونات المجتمع المدني جهودها لتبقي ظهيرًا قويًا للدولة في حرب البناء والبقاء ومكافحة الإرهاب .وأن تمد يد العون للحكومة. وتدعم سياستها الجديدة لإصلاح التعليم حتي ينهض وطننا ويتقدم ليلحق بالعالم المتقدم .
لقد عبر الرئيس عن كل ذلك في احتفال الدولة بعيد العلم وتكريم العلماء وأوائل الجامعات والثانوية العامة ذلك العيد الذي أعاده الرئيس بعد توقفه لسنوات . ولم يكن مجرد احتفال عابر أو تكريم بروتوكولي لكنه رسالة واضحة بأن النهوض بالعلم صار ضرورة حتمية وأولوية قصوي للدولة. وأنه لا مفر من إصلاح التعليم الذي هو رافعة كل تقدم ومؤشر أي تطور . ومقياس أي تفاضل بين الأمم» فمكانة الأمة تتحدد بما تملكه من عقول ومفكرين ومخترعين . وبقدرتها علي توظيف أفكارهم وابتكاراتهم لخدمة التنمية والتسلح والغذاء والدواء. وبما أنجزته في سجل الحضارة الإنسانية . فلا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون . لا يستوي من يملك القدرة علي إنتاج المعرفة ومن يعيش عالة علي غيره . ولا يعقل أن تظل دولة بحجم مصر وتاريخها تعتمد في 70% من غذائها علي الخارج ولا يتصور أن يكون لمصر مئات الآلاف من العلماء والنابغين في الخارج وأضعاف أضعافهم في الداخل ثم يكون هذا هو حال اقتصادها وتعليمها وصحتها.
ومن ثم كان طبيعيًا أن يهتم الرئيس بالعلم والتعليم» وهو اهتمام ليس وليد اللحظة لكنه يتصدر هموم الرئيس وشواغله منذ تولي الحكم. وقد كلف بإنشاء مدينة للمعرفة. وأخري للمعلومات والتكنولوجيا والابتكار في العاصمة الجديدة . وكذلك زيادة جوائز الدولة ومضاعفة قيمتها المالية تشجيعًا للمبتكرين . فتجارب التاريخ الفذة في التقدم بالمجتمعات والصعود بها نحو مصاف القوة والتطور أثبتت أن التعليم والعلم هما الوسيلة والغاية لإحراز التقدم وحيازة القوة . ولا ننسي تجربة صعود محمد علي بمصر حتي نازل تركيا في عقر دارها . فهو صعود بُني علي العلم واستقدام الخبراء الأجانب وابتعاث البعثات العلمية للخارج . حتي صارت مصر في أوج قوتها وازدهارها .
ولعل اهتمام الرئيس بالتعليم والعلم هو استقراء لتاريخ ورغبة حقيقية في إجراء تغيير جاد في المجتمع . بعد تراجع منظومة التعليم وعشوائيتها المفرطة علي مدي عقود حتي باتت تهدم أكثر مما تبني وتضعف أكثر مما تقوي .وأخرجت مصر للأسف من التصنيف العالمي لجودة التعليم. وجعلت الخريجين غير قادرين علي المنافسة في سوق العمل . وأبقت الأمية علي معدلاتها وربما زادت قياسًا بزيادة السكان وتنامي أعدادهم بصورة خطيرة تأكل الأخضر واليابس وتهدد أي تنمية حقيقية .
ورغم أن مصر دخلت عصر المعلومات والاتصالات وقطعت شوطًا لا بأس به في سباق المعرفة وفي صناعة خدمات التعهيد التي كانت تضخ عشرات المليارات قبل ثورة يناير لكنها للأسف تراجعت بعدها لأسباب عديدة .. لكنها لا تزال تملك إمكانيات واعدة مبشرة نرجو لمن يقود سفينة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن يعاود إحراز طفرات مماثلة للدول المنتجة للعلم والمعرفة والتكنولوجيا . مدعومًا بإرادة سياسية لا تقبل بغير النجاح بديلاً. وموارد بشرية وطبيعية وموقعًا وموضعًا لا يقبل المنافسة .
لقد أدركت الدولة وقيادتها أن إصلاح التعليم قضية أمن قومي لا تقبل التأجيل ولا المماطلة . ولديها الإرادة السياسية القادرة علي التغيير .ولا يبقي إلا أن يتعاون المجتمع. وأن يبادر القطاع الخاص لتبني تلك الإستراتيجية ورعاية المواهب العلمية والباحثين النابهين لترجمة أفكارهم الفذة إلي مخترعات ومكتشفات تدر- حال توظيفها بصورة صحيحة- عوائد ضخمة .يمكنها أن تغير خريطة مصر . فلا يكفي مثلاً أن يبشرنا وزير التعليم العالي بأن مصر احتلت الترتيب الـ 35 في مجال البحوث العلمية المنشورة عالميًا .. لكن الأهم : هل استفدنا نحن منها في تحسين واقعنا وتخفيف معاناة شعبنا مع الفقر والتخلف والعشوائية والأمية والمرض وارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم .
تعليمنا كله في حاجة لجراحة عاجلة وعناية طويلة الأجل . ومن حسن الحظ أن ذلك صادف إرادة سياسية راغبة في الإصلاح وقادرة عليه بمعاونة الجميع . فاليد الواحدة لا تصفق. والكل مدعو للمشاركة في إنهاض التعليم وتطوير البحث العلمي. بعيدًا عن المهاترات والنفاق . فما أشد حاجتنا للتخلص من البيروقراطية والروتين وأعداء النجاح والتلقين والحفظ . وإصلاح الجهاز الحكومي المترهل ولن يتحقق شيء من ذلك إلا بتعليم جيد. يعيد صياغة العقل وتنشيطه ويعزز القيم الأخلاقية الرفيعة . واقتصاد قوي وديمقراطية رشيدة لاجتثاث آفة الجهل والتخلف والفساد . وهو إصلاح يتطلب التوازي في المسارات كافة.. قاعدتها التعليم وذروة سنامها البحث العلمي وميكنة الجهاز الحكومي وتجفيف منابع الفساد.
لاشك أن ضربة البداية لأي إصلاح حقيقي مبتداها التعليم ومنتهاها أيضًا . وأول ما يجب عمله هو التخلص من فشل الثانوية العامة ونزع الخوف والرهبة من نفوس طلابها .. فليس منطقيًا أن تبقي تلك العقدة قاطرة التعليم كله . ومأساة للأسر المصرية. ومقبرة للإبداع ومعيقة للتعلم الجاد المثمر سنوات طويلة. وآن للجامعات هي الأخري أن تتخلص من نظامها التقليدي إلي نظام الساعات الدراسية المعتمدة واستحداث آليات لقياس القدرات واكتشاف المواهب وتنميتها مثلما فعلت دول كانت أقل منا كثيرًا ثم تفوقت علينا .. متي تتحرر العقول من الحفظ والتلقين إلي التفكير والحوار والابتكار والتحليل والمبادرة؟!
لا يحتاج الإصلاح إلي تمويل ضخم بقدر ما يحتاج إلي أفكار خلاقة وإرادة مجتمعية وتضافر جهود الجميع حتي تفرز المداس والجامعات خريجين ذوي مهارات وقدرات عالية. تدر قيمة مضافة بدلاً من جحافلها من خريجي الكليات النظرية والعلمية العقيمة البعيدة عن روح العصر ومقتضيات المنافسة والإبداع .
الاستثمار في البشر هو الأعلي عائدًا والأكثر قيمة .. فمتي تخرج مصر من نفق التعليم المعتم ليصبح المنتج العلمي قاطرة اقتصادية قادرة علي إنقاذها من أزمتها. ولا مفر. والحال هكذا. من إنشاء كليات فائقة تضاهي الجامعات العريقة عالميًا . ولتكن البداية بتخصصات حيوية شديدة الأهمية والجودة.. فلماذا مثلاً لا نختار ونحن بلد زراعي نخبة ممتازة من طلابنا وإلحاقهم بكليات زراعة فائقة الجودة لدراسة الهندسة الوراثية للنبات واستخلاص أفضل السلالات وسبل التسميد والري وتحويل المخلفات الزراعية إلي سماد عضوي . أو تحليه المياه ودراسات التربة.. ثم تجري محاكاة هذه التجربة في مجالات وكليات أخري لتصبح جامعاتنا حاضنات علمية لإنتاج الأفكار والاختراعات حتي تدخل مصر عصر اقتصاد المعرفة القائم علي الإبداع والقيمة المضافة. وحتي تحتل مكانها اللائق علي الخريطة العالمية للملكية الفكرية . وتصبح مثل الهند أحد المصدرين للإبداع التكنولوجي .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف