الجمهورية
عبد القادر شهيب
حماية الأمن القومي في عالم متغير! سبحان مغير الأحوال!
قبل شهور قليلة كان الاشقاء في السعودية يغضبون بشدة من أي دولة عربية لا تشاطرهم الرأي في أن لا حل في سوريا إلا بالخلاص أولا من نظام الرئيس بشار الأسد.. واليوم ينصح وزير الخارجية السعودي فصائل المعارضة بالتعايش مع هذا النظام حالياً!
هكذا التغير بالنسبة للقضية أو المسألة السورية يأتي كبيراً وسريعاً ايضاً عربياً واقليمياً ودولياً.. فما يقوله الان وزير الخارجية السعودي بخصوص بشار الأسد سبقه في قوله مسئولون أمريكيون وأوروبيون غربيون ايضاً.
بل ان التغير في المواقف والسياسات للدول لا يقتصر علي الموقف تجاه مصير الرئيس السوري بشار الأسد أو السياسة الفاعلة في التعامل مع الأزمة السورية.. بل انه يشمل مساحة أوسع من الأزمة السورية.. ثمة تغييرات كبيرة طرأت علي سياسات الدول خاصة في منطقتنا وهذه التغييرات متسارعة ولا تترك لمن يدبرون شئون بلادهم فرصة لالتقاط الأنفاس حتي يستقروا علي أفضل السياسات الخارجية لبلادهم واحسن القرارات التي تحمي الأمن القومي لشعوبهم قبل شهور قليلة كانت كل التوقعات تشير إلي اننا مقبلون علي مرحلة من العلاقات الطيبة والدافئة جداً بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بعد انتخاب ترامب الذي كان يحبذه الروس رئيساً لأمريكا لكن ها نحن نشهد تردياً سريعاً في تلك العلاقات حينما فرضت واشنطن عقوبات اضافية جديدة ضد روسيا ورد الروس بطرد مئات من الدبلوماسيين الأمريكان.. المثير أن أوروبا التي كانت منزعجة من احتمال تحسن علاقات الروس مع الأمريكان صارت الآن منزعجة من تردي العلاقات الأمريكية الروسية بعد ان طالتها الآثار السلبية للعقوبات الأمريكية الجديدة التي فرضتها علي روسيا.
أيضاً.. روسيا التي راهنت حتي وقت قريب جداً علي دور لتركيا في حصار وتخفيف حدة الأزمة السورية في ظل توقعها تحسن علاقاتها مع واشنطن تعيد النظر في هذا الرهان آلآن وبدأت توجه نظرها صوب القاهرة لكي تلعب دوراً في حل هذه الأزمة وذلك بعد ان اكتشفت مراوغات اردوغان التي عانت منها بعض الدول العربية الخليجية التي تصورت من قبل انه يمكن الاعتماد عليه كعضو اساسي في حلف اسلامي سني واسع ثم اكتشفت خطأ هذا التصور وهو الأمر الذي اصاب علاقاتها مع تركيا بالبرود وتجلي ذلك بوضوح في طريقة استقبال الرئيس التركي مؤخراً في الخليج ورفض وساطته مع قطر!
كذلك التوقعات التي ازدهرت بعد تأييد الناخبين البريطانيين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بأننا أمام مرحلة انفراط عقد هذا الاتحاد وتوالي خروج دول أوروبية أخري منه.. تراجعت هي الأخري وانحسرت. خاصة بعد أن بدأت ترتفع أصوات جديدة وعالية داخل بريطانيا تطالب بالاستمرار في الاتحاد الأوروبي وبعض أصحاب هذه الأصوات كانوا من المتحمسين للانفصال عن أوروبا والأمثلة كثيرة في شتي أنحاء العالم.. مواقف تتبدل لقادة الدول وسياسات تتغير للدول وأوضاع جديدة تطرأ.. فنحن إزاء تغيرات متسارعة جداً وأيضا مفاجئة جداً وهذه التغيرات المتسارعة تقتضي بالطبع أقصي قدر من اليقظة. خاصة هنا نحن في مصر في ظل الظروف التي نعيشها والحرب المزدوجة التي نخوضها ضد ارهاب هو الأكثر وحشية وتنظيماً وتسليحاً وتمويلاً وعولمة من أي إرهاب آخر سبق أن واجهناه من قبل وأيضا ضد قوي وأجهزة مخابرات تبغي تقويض كيان دولتنا المصرية وسلبنا هويتنا الوطنية.
اليقظة ليست فقط لتسارع هذه التغيرات وإنما وهذا هو المهم لأنها تتسم بالمفاجأة أيضا. فضلاً عن العمق والاتساع.. فهي تزيل أحياناً فتور العلاقات مع دولة وقد تصيب حرارة العلاقات مع دولة أخري بالفتور. كما أنها قد تفاجئنا بحدوث صدام بين دولتين نحرص علي أن نحافظ لأنفسنا علي علاقات طيبة معهما معاً مثلما هو الحال الآن مع كل من أمريكا وروسيا ومعهما الصين أيضا.
ولعل العاصم لنا هنا هو التمسك بأصول ومبادئ سياستنا الخارجية التي تقوم علي الانفتاح علي كل الدول والقوي في العالم ومد يد التعاون لكل من يبغي منا تعاوننا ورفض أي تدخل في شئوننا الداخلية من أي دولة والإصرار علي انتهاج الحل السلمي لكل المشاكل والصراعات والحفاظ علي كيان الدولة الوطنية وضرورة التصدي الحازم والجاد للإرهاب ومن يموله ويسلح الإرهابيين ويمنحهم ملاذاً آمناً وغطاء سياسياً وحق كل الشعوب في التنمية المستقلة دون وصاية من أحد وعدالة العلاقات التجارية والاقتصادية الدولية حتي لا يستفيد الكبار وحدهم من هذه العلاقات.
التمسك بهذه المبادئ هو الذي نحتاجه ونحن نبحر الآن بسفينة الوطن وسط أمواج عاتية ومتضاربة إقليمياً وعالمياً.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف