الأهرام
محمد ابو الفضل
الرياضة مفسدة للعلاقات العربية
يبدو أن هناك عيبا في الجينات العربية، هذه العبارة تصلح لتفسير التردي الذي وصلت إليه العلاقات بين غالبية الدول العربية، فمع أننا تربينا علي مقولة شعب واحد وغرسوا فينا أننا أصحاب لغة واحدة وتاريخ واحد ودين واحد (تقريبا) ومصير مشترك، غير أن العلاقات شهدت ولا تزال سوءا ربما لا نراها لدي شعوب أخري أكثر تنافرا وتناحرا.

كأن حروب داحس والغبراء لم تفارقنا لحظة، موجودة في السياسة والاقتصاد والأمن، والعلاقات الاجتماعية لم تسلم من هذه اللعنة حتي الآن، فكل تجمع عربي، كبيرا كان أم صغيرا، يبدأ بالتفاؤل والود والتراحم وينتهي بالتشاؤم، فالمختلفون العرب يتخلون عن المظاهر الحضارية وينقلبون إلي ما يشبه أصحاب الحروب الأهلية، التي تسعي فيها كل جماعة للانتقام من الأخري وبلا مبررات منطقية.

الغيوم التي خيمت علي العلاقات العربية، دفعت البعض إلي البحث عن وسائل طبيعية تقرب بين الشعوب، واهتدي عدد من حسنّي النية إلي تطوير اللقاءات المشتركة، علي مستويات فنية وثقافية وعلمية وهكذا، والتي لم تعد تخلو من المناوشات التقليدية، وبعد فترة من التوقف دعا من تصوروا أن الرياضة تصلح كدبلوماسية إلي استئناف البطولة العربية لإذابة الجليد المتراكم، وهي وسيلة تمت تجربتها وحققت أهدافها بين دول عدة.

بطولة الأندية العربية لكرة القدم التي أقيمت في مصر أخيرا، كانت مدخلا لفتح باب الأمل لاستعادة التضامن، ولو من باب الرياضة، لكن لأن الطبع يغلب التطبع رأينا حساسيات تفوق الوصف، احتكاك غير مبرر بين اللاعبين، وخلو معظم المباريات من اللعب النظيف والخروج عن الروح الرياضية والتحرش بالحكم في كل مباراة كان مسألة أساسية.

تخيل أن أحد الفرق يدرك أن تعادله مع الفريق المنافس يخرجه من البطولة، ورأيناه يدافع حتي لا يُهزم علي يد خصمه العربي، لكنه بدا مرتاحا للخروج دون هزيمة منه، المهم عنده ألا يخسر من هذا الفريق العربي، حتي لو كان تعادله يخرجه تماما من البطولة ويكبده خسائر مادية.

كانت هذه الملامح واضحة لكل من تابع مباريات البطولة العربية، لكن معظمنا كذب نفسه واعتبر أن العصبية سمة رئيسية في الكرة، وربما تكون دليل غيرة علي الفريق وليس خروجا عن الروح الرياضية، فقط من لديهم خبرة بطبيعة الشخصية العربية فطنوا إلي خطورة ما يجري علي أرض الملعب، وأرجعوا جذوره لعوامل نفسية، فهناك دول صغيرة تعتقد أنها حققت إنجازات رياضية ويجب أن تتبوأ مكانتها في الصفوف الأولي، علي مستوي الأندية والمنتخبات.

وهناك دول كبيرة تدهور حالها في الرياضة وغيرها، ومن الضروري أن تعترف بالهزيمة الجديدة وتبتعد عن ميراثها الحضاري، الذي لا يتناسب مع واقعها الحالي، وقد يكون هذا التقدير بابا مناسبا لتفسير أحد أهم أسرار الخلافات التي تدور بين ممثلين لدول عربية متباينة وفي مجالات مختلفة، فالتفوق علي الدوام استنادا للبعد التاريخي ليس مقبولا، والتفوق استنادا للإنجاز الراهن أصبح عملية مرفوضة.

المباراة النهائية بين فريقي الترجي التونسي والفيصلي الأردني وطاقم تحكيمها المصري، كفيلة بتسليط الضوء علي عدد كبير من العيوب التي تنخر في الجسد العربي، فالفريق الأردني أثبت نظرية الخلل في الجينات العربية، التي أعتقد فيها وليس عندي دليل علمي عليها، لكن المشاهدات والتجارب كفيلة بزيادة قناعاتنا.

الخروج عن كل الأعراف الرياضية والأخلاقية، تجلي علي ملعب استاد الإسكندرية الذي استضاف المباراة، ولعل عددا كبيرا منا شاهدها مباشرة، أو رأي علي منصات التواصل الاجتماعي لقطات منها، أو علي الأقل سمع وقرأ عن أحداثها.

نعم الحكم إبراهيم نور الدين ارتكب خطأ فادحا باحتساب هدف للترجي من تسلل أحد لاعبيه، وهذا يحدث في مباريات كثيرة، وأحد عوامل الإثارة في لعبة كرة القدم، ويستخدم هذا السبب كمبرر لرفض الاستعانة بتكنولوجيا الفيديو للحفاظ علي عنصر الإثارة في الكرة.

هناك مباريات كبيرة حفلت بأخطاء من هذا النوع وأكثر، ولم نر فيها الطاقم الإداري ينهال ضربا علي حكم الساحة، ولم يقم اللاعبون بركله بذريعة أنه أخطأ في التقدير، والغريب أن الفيصلي نفسه فاز علي الأهلي مرتين ووقعت أخطاء في التحكيم صبت في مصلحته، بل وارتكب أخطاء فادحة وتفنن في إضاعة الوقت ولم ينزل علي لاعبيه عقاب يتناسب مع حجم أخطائه.

السؤال هل لو الفريق الذي فاز غير عربي، كان الفيصلي سيرتكب كل هذه الحماقات؟ وهل لو الحكم غير مصري، هل قام إداريوه ولاعبوه وجمهوره بما فعلوه من تصرفات تعاقب عليها القوانين الرياضية والجنائية؟ الإجابة واضحة، ولست بحاجة إلي تكرار ما ذهب إليه زملاء آخرون.

القيادة السياسية في البلدين تصرفت بحكمة فتم تسكين الأزمة مؤقتا، لأنها كادت تتسع معالمها عقب انتقالها إلي مواقع التواصل الاجتماعي، وكان أطرافها مواطنين من مصر والأردن وتونس، وهذه الحكمة منعت تكرار سيناريو مباراتي مصر والجزائر الشهيرتين عام 2009 في كل من القاهرة والخرطوم، والتي لم تتوار تداعياتهما السياسية إلا بعد سنوات ورحيل أحد النظامين الحاكمين.

المثير للانتباه، أن هناك إدراكا بالتباعد الكبير بين الشعوب العربية في الرياضة مثل السياسة، حتي لو تعمدنا إخفاء مراراتنا وبدا لكثيرين أن العلاقات علي ما يرام بين هذه الدولة وتلك، فالاختبار الحقيقي يكون عند وجود خلاف وخروجه للعلن.

هنا تفشل أدوات الدعاية في تطويقه وينفجر، ويتسابق أنصار كل طرف في دعم رؤية بلدهم مهما تكن خطأ، ويغيب العقل وتتقدم العاطفة والحساسية المفرطة، ويتحول الخلاف إلي أزمة، والأزمة لحرب خفية، لأن الاعتراف بالخطأ أصبح جريمة عربية، فكم من الأزمات اندلعت جراء غياب هذه الثقافة؟

مطلوب إعادة بناء الشخصية العربية الجماعية وتعليمها فنون وقواعد التقدم وقبول الآخر والاعتراف بالهزيمة، قبل أن نجري وراء تدشين منافسات يعلم القائمون عليها أنها وسيلة للتفريق بدلا من التقريب، بعد أن تحولت الرياضة والثقافة والفن وغيرها إلي مفسدة للعلاقات العربية وكنا نحسب أنها المدخل لتحسينها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف