الدكتور على المصيلحى وزير من العيار الثقيل، يصح أن نصفه بالوزير المخضرم الذى استوزر فى عصرين، مثله مثل الشاعر المخضرم الذى حضر عصرين وأبدع فيهما بشعره. باستمرار يتحدث وزير التموين عن ضرورة وصول «النفحة التموينية» إلى المواطن الذى يستحقها، وهو كلام موضوعى لا يختلف عليه اثنان، فلابد بالفعل أن تكون بطاقة التموين فى يد من يستحق، من يستحق وفقط، لكن الواضح من أداء هذه الوزارة أنها لا تطلب «العدل» قدر ما تطلب «التوفير». الحكومة ترى أن التموين يحصل عليه من لا يستحقه، وهى لا تفكر فى حلول علمية للمشكلة تؤسس لقواعد بيانات تشتمل على دخل المواطنين، ووضع شروط عادلة لمن يستحق البطاقة، بل تلجأ إلى حيل الحواة فى التعامل مع المواطن.
تعالوا ننظر إلى إحدى هذه الألعاب، مثلاً الحكومة كانت تخصص للمواطن 5 أرغفة فى اليوم، درست الأمر وأعدت مقترحاً يقضى بخفض حصة المواطن اليومية من «العيش» إلى 4 أرغفة، مع مضاعفة قيمة النقاط التى يحصل عليها مقابل كل رغيف لا يأخذه بنسبة 100%، يعنى بدلاً من أن يحصل على 10 قروش عن الرغيف الذى يوفره يفوز بـ20 قرشاً. حل لطيف، الألطف منه أن تقوم الحكومة بعد ذلك باستعادة القروش فى شكل جنيهات، عبر حل بسيط، يتمثل فى رفع سعر إحدى السلع التموينية، فتقرر رفع زجاجة الزيت عبوة اللتر إلى 20 جنيهاً بدلاً من 16 جنيهاً. لعبة لطيفة تذكرنا بحكومة «الأرطمة» التى كان يتحدث عنها الفنان محمد صبحى فى مسرحية «تخاريف» التى يأخذ فيها المسئول الصغير بالشمال ما يعطيه المسئول الكبير باليمين. لعبة أشبه بألعاب الحواة التى تعتمد على خفة اليد، والتمويه على المشاهدين.
للإنصاف ألعاب الحواة لا تتعلق بوزارة التموين وحدها، بل تمتد إلى وزارات أخرى، منها على سبيل المثال وزارة الكهرباء. الوزارة تتكبد الكثير فى إنتاج الكهرباء وتوفير الخدمة للمواطن، هذا أمر لا شك فيه، ومستوى الخدمة تحسن و«وماعادش النور بيقطع»، كما كان يحدث خلال الأعوام الماضية، تلك مسألة لا خلاف عليها، لكن حدثنى عن سعر الخدمة. فواتير الكهرباء ملتهبة، وترتفع قيمة استهلاك الكيلو، طبقاً للشرائح المختلفة، كل فترة، حتى تتمكن الحكومة من مواجهة الزيادة فى تكلفة الإنتاج وتضييق الفجوة بين السعر والدعم، لكن هناك سؤالاً عن الطريقة التى تحسب بها الوزارة فاتورة الاستهلاك. ظنى أن المسئولين بالكهرباء يحددون سعر الكيلو بناء على التكلفة الإجمالية للإنتاج مقسوماً على عدد المشتركين الذين يدفعون. تبعاً لهذه الحسبة يخرج الأفراد الذين يسرقون الكهرباء من الحكومة، وتعجز عن الوصول إليهم أو محاسبتهم، ويخرج منها أيضاً تكلفة بعض ملفات إهدار المال العام التى تظهر من حين إلى آخر داخل الوزارة، كل هذا يتحمله المواطن صاحب الفاتورة، جزء مما يدفعه يقابل استهلاكه للكهرباء على مدار الشهر، وجزء يدفعه نيابة عمن يسرقون التيار، وجزء يقدمه لتوفير المال اللازم للإهدار داخل الوزارة!. الأمثلة كثيرة على طريقة التفكير التى يعمل مسئولو الدولة بمقتضاها، وكلها تشهد على ألعاب «حواة»، تحول المواطن -بفعلها- إلى بيضة!.