< يبدو أن المستشارة رشيدة فتح الله رئيس هيئة النيابة الإدارية، ستحل ضيفا عزيزا على كل وسائل الإعلام المصرية والعربية، فالسيدة شمرت عن ساعديها وقررت تنظيف مصر، من شلل الفساد، وبؤرالانحراف،المتحكمة فى مفاصل الوزارات والمؤسسات والهيئات الخدمية، التى ترتبط ارتباطا مباشرا بالواقع المعاش، والحياة اليومية للمواطن المصرى.
< قبل أيام أحالت رشيدة عددا من المسئولين بوزارة الصحة بالبحيرة إلى النيابة ؛ لتورطهم فى قضية الأمصال واللقاحات الفاسدة، وأمس الأول أمرت بإحالة 35 من قيادات وزارة التضامن الاجتماعى، و3 رؤساء متعاقبين لحى عين شمس ومسئولين بالإدارة التعليمية إلى محاكمة عاجلة، بتهمة التقاعس والإهمال فى أداء واجبهم تجاه ما حدث من اعتداءات جسدية وجنسية وممارسات شاذة، على أطفال أبرياء أيتام بإحدى دور الرعاية بمنطقة عين شمس تابعة لجمعية «إنقاذ الطفولة». تخيلوا الجمعية اسمها كده، إنقاذ الطفولة!
< الخطير فى قضية هذه الدار التى تحمل رقم (66 لعام 2017)، أن بعض المسئولين عنها شاركوا باهمالهم فى تكرار الاعتداء الجنسى على 35 طفلا من أصل 45 طفلا، يعنى نحو 80% تقريبا، وإن لم تكتشف هذه المصيبة، كان بقية الأطفال سيسقطون حتما فى هذا المستنقع، ويدفعون ثمن غياب الرقابة والضمير. والأخطر أن طبيب التأمين الصحى بالمدرسة الابتدائية التى يدرس بها عدد كبير من أبناء الدار اكتشف هذه الاعتداءات الجنسية المتكررة، ولم يحرك ساكنا، ولم يقم باى إجراء، والشيء نفسه فعله المدير التنفيذى للجمعية وسكرتيرها، اللذان تجاهلا صرخات الإخصائية الاجتماعية، واعتبرما اكتشفته من سلوك شاذ أمرا عاديا، يحدث فى كل المجتمعات، وساهما فى إصدار قرار بفصلها.
< إن تكرار مثل هذه الحوادث المحزنة المبكية داخل دور رعاية الأيتام والأطفال، ينذر بكارثة اجتماعية تفقد الناس الثقة فى مثل هذه الدور، التى باتت بامكانياتها المحدودة فى أمس الحاجة لتفاعل ومشاركة كل فئات المجتمع؛ لدعم ميزانياتها وأنشطتها، ولا أعتقد انه لا يمكن لأى شخص أن يتبرع لجمعية حال المسئولين عنها بمثل هذا التراخى واللامبالاة التى تشجع الشذوذ وتغتال براءة الصغار.
< ولايمكن ونحن نضع أيدينا بيد المستشارة رشيدة، أن نغض الطرف عن مسئولية وزيرة التضامن الاجتماعى، باعتبارها المسئول الأول عن هذه الجمعيات، ولأنه لا يوجد حتى الآن تفعيل واقعى لقانون لمحاكمة أومحاسبة الوزراء، على تقصيرهم وعلى ما يرتكب من جرائم داخل مؤسساتهم، فإننى أطالب البرلمان بسرعة استدعاء الوزيرة لسؤالها، ومحاسبتها عن هذا التقصير، فى أول انعقاد له، بعد أن ثبت للنيابة تورط مسئولى الوزارة، كما أطالب بإعادة النظر فى القانون رقم 84 لسنة 2002، لأن الكثير من بنوده لم تعد تواكب حجم ما تواجهه تلك الجمعيات وتلك الدور من تحديات وأخطار.
< وبغض النظر عما تقوم به رئيس النيابة الإدارية، كونه فى المقام الأول واجبها الوظيفى قبل الإنسانى، إلا إن السؤال المهم.. لماذا تتكرر الاعتداءات الجنسية على الأطفال الصغار بدور الإيواء؟ هل هو مرض نفسى ؟، أم خلل فى السلوك ؟ أم نوع من الانتقام، خاصة وأن معظم الدراسات تؤكد أن من يقوم بمثل هذه التصرفات الشاذة يكون قد تعرض فى طفولته لنفس هذه الأفعال ؟.أم هو غياب الرقابة الفعلية عن هذه الدور، والتى يفترض أن تكون ملاذا آمنا لمثل هؤلاء،الذين فقدوا حنان الأب والأم والمجتمع ؟ القضية بجد خطيرة، ولا بد من وقفة حاسمة من الحكومة ومجلس النواب.