جمال سلطان
هل أصبح هشام طلعت إحراجا جديدا للسيسي ؟!
أدان القضاء المصري رجل الأعمال المعروف هشام طلعت مصطفى ، القيادي السابق بالحزب الوطني المنحل ، بالتورط في قتل المطربة اللبنانية سوزان تميم ، وحكم عليه بالإعدام قبل أن يلجأ إلى النقض لتعاد محاكمته فتحكم عليه محكمة الجنايات بالسجن خمسة عشر عاما ، كما حكم على شريكه في الجريمة ـ ضابط أمن الدولة السابق ـ بالسجن المؤبد ، وبعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الرئاسة تقدم هشام طلعت إلى القضاء الإداري مطالبا بإطلاق سراحه نظرا لظروفه الصحية ، وقدم محاموه عشرات التقارير الطبية ، أكرر : عشرات التقارير ، التي تؤكد أن صحته منهارة وأنه في حالة خطرة ويحتاج إلى الرعاية والعلاج المكثف خارج السجن وأن ظروفه الصحية تقتضي إطلاق سراحه ، تم تداول القضية شهورا طويلة أمام المحكمة ، لم يقتنع القضاء بدقة التقارير الطبية ، ولا بأن حالة هشام تستدعي إعفاءه من عقوبة القتل ، وحتى لا تكون سابقة لرجال الأعمال وأصحاب الأموال ، أن يقتل ويضمن أن يتم إعفاؤه من العقوبة أو تخفيضها ، وآخر موقف قضائي في موضوعه ما قررته الدائرة الأولى فحص طعون بالمحكمة الإدارية العليا، بإحالة طعنه لإلغاء حكم رفض الإفراج الصحى عنه لدائرة الموضوع، وتحديد جلسة 27 أغسطس المقبل لنظرها.
غير أن قرارا مفاجئا صدر من السيسي استبق به حكم القضاء ، في 23 يونيه بإطلاق سراح رجل الأعمال هشام طلعت وإعفائه من قضاء بقية العقوبة نظرا لظروفه الصحية المتدهورة ، وفور إطلاق سراحه ظهر هشام طلعت في مناسبات اجتماعية ومالية عديدة يعقد الاجتماعات ويلتقي قيادات ، وفي المنتجعات الراقية وهو "بالشورت" يتفقد الأعمال وينتقل من مكان لآخر ، ويلتقي وزراء في الحكومة ومسئولين لمناقشة مشروعات جديدة ، وقررت شركته أن يتولى الرئيس التنفيذي لها بكل ما لذلك المنصب من تبعات وجهود وتركيز ونشاط ، وعقد اجتماعات متعددة مع الأمير الوليد بن طلال ، وأصبحت هناك حالة من الحيوية والنشاط الواضحة التي لاحقت تحركات الرجل خلال الأسابيع الماضية وأرهقت الإعلام من فرط متابعتها وملاحقتها ، مما جعل الناس يتساءلون عن معنى إطلاق سراحه لأسباب صحية ، في حين ظهر أنه في كامل عافيته ونشاطه وحيويته .
التساؤلات لم يطرحها معارضوا الرئيس وحدهم ، بل طرحتها شخصيات مؤيدة للسيسي ومن معسكره ومن أعضاء البرلمان المحسوبين عليه مثل الدكتورة أنيسة حسونة ، والتي أبدت دهشتها مما يحدث ، كما أن هناك من عقد مقارنات لإظهار المفارقة في معايير الإنسانية لدى الرئاسة ، لأنه إذا كنا نتحدث عن "الحالة الصحية" فإن شخصية قضائية رفيعة المستوى ، مثل المستشار محمود الخضيري ، الذي يقترب من الثمانين من عمره وفي حال صحية صعبة للغاية وهو نائب رئيس محكمة النقض السابق ، وأحد رموز القضاء في تاريخه ، ما زال في السجن حتى الآن رغم أنه قضى عقوبة سجنه كاملة وقد رفضت الرئاسة كل الاستغاثات التي قدمت لإطلاق سراحه وقتها أو العفو عن بقية المدة ، وهو لم يقتل ولم يسرق ، حتى فوجئ بأنهم فتحوا له قضية أخرى ، فعلى أي معيار يتم إطلاق "الشاب" الموفور عافية وصحة وشبابا هشام طلعت ، في حين نصم آذاننا عن شيخ طاعن في السن مثل المستشار الخضيري ، والأمر نفسه مع القيادي الإخوان مهدي عاكف الذي يقترب من التسعين ويقضي معظم وقته في السجن متنقلا بين المستشفيات بين الموت والحياة ، ورغم الاستغاثات الحقوقية المتعددة بشأنه إلا أنه ما زال رهن السجن حتى الآن .
هناك تحديات اقتصادية حقيقية وقاسية تتعرض لها الدولة ، والرئيس تحت ضغط هذه التحديات لأنه سيدفع ثمن أي فشل فيها بكل تأكيد ، هذا مفهوم ، ولكن لا يصح أن يصل إلى الناس معنى ، ولو ظن ، بأن الدولة تخضع لسطوة رأس المال ، أو أن مقتضيات العدالة يمكن مقايضتها بالمال تحت ضغط الحاجة ، هذا خطير ، ويضعف من هيبة الدولة ، بل ويتسبب في اهتزاز قيمتها وحرمتها أمام المواطن في الداخل ، والمراقب في الخارج ، سواء كان سياسيا أو مستثمرا .