إذا كان مرتبك 1500 جنيه شهريا كحد أقصى أو تتقاضى معاشا 1200 جنيه فأنت غني مرفه في بحبحوحة من العيش لا تستحق الدعم الذي يصرف لك من خلال بطاقة التموين.
بأسعار الجنيه الحالية 1500 جنيه تعادل نحو 84 دولارا والـ1200 جنيه، 67 دولارا تقريبا. وهي أرقام مضحكة جدا، لا أتصور أن هناك أسرة تعيش عليها في ظل أسعار خيالية للمواد الغذائية تتزايد على مدار اليوم.
عجزت عن تفسير ما استند إليه وزير التموين الدكتور علي المصيلحي في قراره الوزاري رقم 178 لعام 2017 بشأن تنظيم قواعد استخراج بطاقات التموين. ولم أفهم سبب وضع حد أقصى 4 أفراد في الأسرة الواحدة تستحق الدعم.. ماذا يفعل الطفل الثالث والرابع، فبتلك الحسبة ستصرف البطاقات للأبوين وطفلين فقط.
أحد الزملاء من صدمته دخل في جدال معي وفسره بطريقة متفاءلة جدا، فقال إن المقصود بتلك الأرقام الحد الأقصى للدعم على بطاقات الأسرة الواحدة، مع أن القرار نص على أن قيمة الدعم الأساسي 25 جنيها للفرد الواحد المقيد على البطاقة التموينية بدون حد أقصى، و25 جنيها دعما إضافيا بحد أقصى 4 أفراد.
الحكومة تعيش في عالم افتراضي لا يأكل ولا يشرب ولا يرى تخمة الأسعار. حتى الخضروات التي نزرعها مثل الطماطم والخيار والليمون والبطاطس والبامية والملوخية، لو وزعنا عليها تلك الحدود القصوى من الرواتب والمعاشات التي أصبحت في عداد الموسرين فلن تكفيها، يضاف إليها الفواتير الملتهبة للكهرباء والغاز والماء.
وسط هذا العالم الافتراضي المتوحش مطلوب منا كشعب أن نصدق أن الدستور يحتاج إلى تعديل لأن الأربع سنوات غير كافية للرئيس لتنفيذ برنامجه ومشروعاته. لا أدري كيف سيكون الحال لو أصبحت المدة 6 سنوات كما اقترح بعض نواب البرلمان، أو عاد الدستور لنصه القديم بإطلاق المدد بدلا من مدتين، أو كما قرأنا نقلا عن عضو برلماني مقرب من الحكومة، بأن هناك اقتراحا للتعديل بحيث يجري انتخاب الرئيس بواسطة مجلس النواب، اقتصادا للنفقات وتماشيا مع الظروف التي تمر بها البلاد.
الواقع أن الدولة مرتاحة أن الشعب سيقبل كل شيء.. من التضييق عليه في ميزانيته اليومية المرهقة للغاية إلى الحد من حقوقه الدستورية، وهذا تقييم خاطئ للرضا العام. مستحيل أن تقيس سعادة الناس ورضاهم بصمتهم وعدم إظهار ضجرهم على أحوالهم المعيشية. القياس الوحيد هو الانتخابات المحايدة تماما، أي التي لا تتدخل فيها الحكومة، ولا يمنع المنافسون من وضع برامجهم وعرضها وطرح انتقاداتهم العلنية للرئيس.
من حق المنافس أن يطرح برنامجه لوقف التدهور المعيشي والتضخم والسياسات الاقتصادية الخاطئة، وله الحق أن يفندها ويناقشها عبر وسائل الإعلام المتاحة، وأن تكون لجنة الانتخابات محايدة تماما لا تتدخل في أصوات الناخبين ولا تقبل فرض توجهات عليا عليهم.
في هذه الحالة لن ترى ناخبا يشذ عن المبدأ المستقر "عض قلبي ولا تعض رغيفي".
النظر لأصحاب الرواتب والمعاشات المتدنية أصلا على أنهم غير محتاجين للدعم بينما لا تكفي لشراء أدوية و لدروس خصوصية في نظام تعليمي أصبح في حقيقته مكلفا جدا ولا رائحة للمجانية فيه، هو دليل النظرة المتعالية جدا لدولة لا تشعر بالحال ولا تعض القلوب فقط بل تعض الأرغفة القليلة التي تكاد لا تسد الرمق. لا تخشى أصواتا انتخابية أو معارضة، فقد نجحت في إسكات الصحف وحجب المواقع وترهيب الأصوات الجريئة وتأسيس برلمان يعبر عنها.
لكنها تخطئ ولا تتعظ بما حصل لدولة سابقة على مرمى سنوات قليلة، كانت أقوى منها مليون مرة، قبضة وسياسة ورؤية ووصولا لأعماق الشعب. دوام الحال من المحال.