الأخبار
د.محمد مختار جمعه
يا أمــة الأخــلاق عــودي
العدل، الرحمة، التسامح، الصدق، الأمانة، الوفاء، البر، الإنسانية، كلها معان سامية رسختها الأديان السماوية جمعاء، وقد عنيت شريعتنا الغراء أيما عناية بكل القيم الأخلاقية والإنسانية، حتي لخص نبينا محمد (صلي الله عليه وسلم) هدف رسالته السامية في قوله (صلي الله عليه وسلم) : » إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ »‬، وسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ : »‬تَقْوَي اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ»‬، وقال (صلي الله عليه وسلم) : »‬ إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا »‬، وقال (صلي الله عليه وسلم) : »‬ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ »‬ وقال (صلي الله عليه وسلم) : »‬ اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ »‬، وقال (صلي الله عليه وسلم): »‬ دَخَلَ رَجُلٌ الْجَنَّةَ بِسَمَاحَتِهِ، قَاضِيًا وَمُتَقَاضِيًا »‬.
وإذا أردنا أن نأخذ بعض النماذج التي نحتاج إليها أشد الاحتياج في واقعنا المعاصر، فإننا نسلط الضوء علي خلقي العدل والرحمة، فالعدل ميزان الله الذي أقامه للحق ونصبه للعدل، فقال سبحانه : »‬ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَي »‬، وقال سبحانه: »‬ وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ »‬، وقال سبحانه: »‬ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَي أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَي »‬، ولذا كان الحاكم العادل في مقدمة السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
وقد قالوا : إن الله عز وجل ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة، لأنها لو كانت مسلمة حقًّا وطبقت إسلامها تطبيقًا عمليًّا حقيقيًا لما قبلت ولا قبل أهلها الظلم، وقد قالوا أيضًا : إن الدول قد تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام.
وإذا كان العدل مطلوبًا علي كل حال، وهو ميزان اعتدال الأمم، فإن الرحمة تعد من أهم القيم الأخلاقية المتكاملة مع العدل، فالحكمة تقتضي القوة في غير عنف، والرحمة من غير ضعف، وقد عني ديننا بالعدل والرحمة في توازن شديد الحكمة، ففي الوقت الذي رسخ فيه الإسلام قيمة العدل عمل أيضًا علي ترسيخ أسس الرحمة، وهما متكاملان تكاملا لا تناقض فيه، بل إن ديننا الحنيف قد جعل الرحمة عنوانًا وهدفًا رئيسًا وغاية للرسالة المحمدية الخاتمة، حيث يقول الحق سبحانه مخاطبًا نبينا محمدًا (صلي الله عليه وسلم) : »‬ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ »‬، ويقول سبحانه : »‬ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ »‬، ويقول سبحانه : »‬ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ »‬، ويقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : »‬ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : »‬ مَنْ لَا يَرْحَمْ، لَا يُرْحَمْ »‬، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : »‬ الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ »‬، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : »‬ لا تنزع الرحمة إلا من شقي »‬، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : »‬ إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيء إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ »‬.
لا نريد أن تجرفنا حركة الحياة العصرية وسرعة تلاحق وتتابع أحداثها عن أن نلتفت إلي أهمية الرحمة وتحويلها إلي واقع معاش في حياتنا، لأن من لا يرحم لا يُرحم، ولو آثر كل منا مصلحته علي مصالح الآخرين أو حتي رقابهم لتحول العالم إلي غابة، وكما تدين تدان، ولن يكون أحد بمعزل عن تبعات الأثرة والأنانية.
نحن في حاجة ماسة إلي رحمة الطبيب بمرضاه، والمعلم بطلابه، والصانع بصبيانه، ورب المال والأعمال بعماله، والعالم بمتعلميه وسائليه ومستفتيه، ورئيس العمل بمرءوسيه، والوالد بولده، والولد بوالديه، والأخ بأخيه، والزميل بزميله، ما أحوجنا إلي التخلق بأخلاق الإسلام النبيلة، وقيمه الراقية، وتعليمات الأديان كلها في ترسيخ هذه القيم.
نحن في حاجة إلي أن يشعر الإنسان بأخيه الإنسان، بآماله، وآلامه، وأوجاعه، وأن نعمل علي أرضية إنسانية مشتركة، لا ينتزع الإنسان فيها من إنسانيته، ولا تنتزع منه إنسانيته، ولنبدأ بأنفسنا أمة وأفرادًا مرددين : يا أمة الأخلاق عودي، فسبيل الأخلاق هو سبيل الرشاد والتحضر والتقدم والرقي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف