بوابة الشروق
جمال قطب
مراجعة.. لا تراجع -5- آليات البلاغ القرآنى
من مظاهر هجر القرآن الكريم هجرا غير مبرر، ذلك التخلف والعشوائية المتوارثة منذ عصور الضعف والركود إلى يومنا هذا. وآليات البلاغ القرآنى هى التى سماها السابقون «علوم الآلة»، وهى علوم النحو، الصرف، البيان، البديع، المعانى، اللغة، رسم الحروف (الكتابة)، الأصوات والنطق، الصياغة (الأساليب). وهذه هى العلوم الأكثر شهرة والتى تلاشى معظمها من مقررات الكليات المتخصصة كما تشوه الباقى منها فى جميع مؤسسات التعليم إن وجد فيها شىء.
ــ1ــ
ومن مظاهر تخلف وتقصير المسلمين فى تلك العلوم ما تلمحه من عشوائية وإطناب واسترسال فى غير محله، فضلا عن التمسك ببعض الجهود الرائدة واعتبارها أصلا لا محيد عنه، ففى دراسة النحو لا يفرق واضعو المناهج والمقررات بين ما هو تراث يجب الحفاظ عليه على مستوى البحث العلمى فقط، وبين ما يجب أن تمتلكه الأمة – كل الأمة ــ من مناهج ومقررات دراسية موحدة تضمن استبقاء وحدة الأمة وتواصل أبناء كل عصر بالإضافة إلى وجود «دستور» يحتذى إذا كان من حق الباحث الأكاديمى أن يتفاعل معه، فليس مطلوبا على الإطلاق أن تعيش أجيال الأمة فى «تيه لغوى» بين مدارس نحوية متعددة بغداد ــ الكوفة ــ الحجاز. كذلك فما زالت مصطلحات النحو والصرف غير مستقرة فى البلاد العربية، وتكاثرت الهموم حتى تجد الدرس النحوى فى كليات اللغة الأزهرية غير المتاح فى دار العلوم، وكلاهما لا أثر له فى أقسام اللغة العربية فى كليات الآداب، وهذا من أسباب اضطراب النحو ومدرسيه وضيق التلاميذ والطلاب به والفرار منه وانصراف أجيال بأكملها إلى لغات أجنبية يتحدثون بها ويمارسونها كتابة وحديثا فى معاملاتهم اليومية. وما ذكرناه على النحو يقال وأكثر منه على سائر علوم الآلة اللغوية.
ــ2ــ
وإذا كان النحو هكذا، فإن مدخلات التفكير عاجزة ومبهمة ومشوشة مما يترتب عليه ضحالة المخرجات وعوجها، حتى تخرجت أجيال تحمل مؤهلات عليا وربما تتقن لغة أجنبية ولا تستطيع أن تكتب جملة عربية كما تعجز عن قراءة اللغة العربية عجزا غير مقبول. ومن الضرورى أن تنتبه إلى أن التفريط فى اللغة القومية هو تفريط فى العقل والفهم كما أنه ابتعاد سريع عن لغة القرآن مما يجعل القرآن – حاشا لله ــ غريبا على الأذن والعقل وبعيدا عن التناول وبعيدا عن التعلق به والاستمداد منه. فهل قررت الأمة الاستغناء عن الأخلاق حتى تسمح بهذه الأسوار العازلة بين النشء والشباب وبين اللغة والقرآن؟!
ــ3ــ
فإذا أضفت إلى ذلك تقصير الحكومات والمنظمات الدولية العربية فضلا عن المؤسسات العلمية الدينية تقصيرا بليغا فى عدم التفاعل مع وسائل العصر مثل برامج الحاسوب والرقميات. فحتى الآن تيسرت الترجمة الدقيقة والسريعة والمجانية بين جميع لغات العالم إلا اللغة العربية!!! لماذا؟ لهذا العجز والقصور الرسمى وشبه الرسمى، فهل يليق بالأزهر والجامعات ومجامع اللغة العربية ومنظمات المؤتمر الإسلامى ورابطة العالم الإسلامى أن تبقى لغة القرآن حبيسة هذا العجز والإهمال، بل حبيسة تفريط ليس فى اللغة والدين فحسب، بل فى أجيال الأمة وقدراتها على التواصل أولا ثم على الإعمار والإصلاح.
ــ4ــ
ومع تقصير«رأس الأمة» ممثلا فى الحكومات والمؤسسات، فإن التراخى واللهو قد بلغ بالمستثمرين ألا يحاولوا الاتفاق على تصنيع حزم من البرامج التى تسهل اللغة وتجعلها مشوقة حرصا على مد الجسور القوية بين الناس وبين أكبر وأرشد من مصدر للأخلاق الكريمة والفكر القويم والهدوء النفسى هو القرآن الكريم..ألا هل بلغت؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف