الجمهورية
فريد إبراهيم
فلسفة الكتابة والتوصيل "1"
يثير كتاب "فلسفة الحرب والسلم والحكم" لمؤلفه الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف فكرة فن الكتابة في إطار مقتضي الحال وكأني به يكتب بروح بشار بن برد الشاعر العباسي الكبير حين قال: امام ربة البيت تصب العسل في الزيت وهو القائل:
كأن مثار النقع فوق رءوسنا
وأسيافنا ليل تهادي كواكبه
فبشار أراد أن يوصل كلامه لمن أراد أن يصل إليه كلامه وإلا فما فائدة ما يكتب أي ان مقتضي الحال كما يقول العلماء في تعريف البلاغة يلزم الكاتب المنتبه بأسلوب كتابه للجمهور الذي يقصده والظروف المحيطة بالكتابة.
لذا لم يكن غريباً أن يأتي كتاب "فلسفة الحرب والسلم" بسيطا في لغته مباشرا في منهجه ذلك لأن المؤلف يستهدف كل جمهور القراءة علي مختلف مستوياته كما ان مقتضي الحال يقتضي المباشرة والاختصار لأنه يكتبه في ظروف حرب فكرية لا تحتاج إلي تنميق بقدر ما تحتاج إلي توصيل الفكرة والتاريخ الأدبي يشهد بذلك فتوعية الجماهير وحشدهم وتنبيههم لا تستطيعها القصائد أو الخطب غير المباشرة المعرفة في الألغاز القائمة علي الجدل والاستطراد وانما تستطيعها القصائد والخطب المباشرة القصيرة الجمل المحددة الهدف المعتمدة علي الجرس الموسيقي المؤثر من هنا جاءت لغة هذا الكتاب الذي كان طلقة قوية في معركة الارهاب كما وصفه الأستاذ ناجي قمحة مدير تحرير جريدة الجمهورية الأسبق.
أما أهم ما جاء في الكتابة فهو تفكيكه لمصطلحات له صورة ذهنية لدي المسلم مغايرة تماما لحقيقتها مثل كلمة الحكم الرشيد والتي يتبادر إلي الذهن انها الخلافة التي تحولت تحت مظلة القداسة إلي ملك عضوض وخضعت الشعوب الاسلامية لها لما لها من قداسة بل فعل من سموا أنفسهم الخلفاء وهم ملوك الأفاعيل تحت هذا الزعم بل ان سليم الأول قتل طومان باي وعلقه علي باب زويلة وما كان من المصريين إلا أن خضعوا لأنه الخليفة ولا شريف مكة أرسل إليه بمفاتيح الحرمين.
الدكتور جمعة يفند هذا مؤكداً ان الحكم الرشيد هو من يراعي مصالح الشعوب ويحمي الأوطان ويقيم العدل وييسر علي الناس حياتهم قدر طاقته. فكل حكم غير مستبد وغير جائر ويرعي مصالح الأمة فهو حكم رشيد.
كما يؤكد ان الخلافة ليست أصلاً من أصول الإسلام كما جاء في أركان الاسلام التي خلت من أي حديث عن الخلافة وكذلك حديث الاسلام والإيمان والاحسان فقد خلا من أي كلام عنها ولو تلميحاً.
أما قوله الدولة الرشيدة هي صمام أمان التدين الرشيد فهو يسقط الصورة الذهنية من التدين ضد الدولة عادة.. مؤكداً ان صعود فكرة كراهية الدولة ومحاولة حربها إلي ذهن المتدين أول ما يفكر في التدين خطيئة فكرية وخطيئة ذهنية وعلي المتدين أن يراجع تدينه الذي بدأ بكراهية وليس بحب وسعي للعطاء ذلك لأنه الشخص الذي يبدأ بذلك يتجه إلي التطرف وليس إلي التدين وفرق كبير بين التدين والتطرف فالتدين عطاء ورحمة وسماحة والتطرف عنف وكراهية واقصاء لذلك فإن التدين حق كما قال المؤلف والتطرف باطل.
أما فلسفة الحرب فالحرب تمثل نهراً بين شاطئين هما الانسان بنيان الرب ملعون من هدمه والثاني صد الاعتداء بمقدار منعه أي انها ضرورة تنتفي بانتفاء الضرورة وتقع بمقدار الضرر. فالحرب المشروعة هي الحرب الدفاعية التي تحمي الأنفس والأوطان والحقوق بل وضع الإسلام آدابا لها لما يجتاحونه من بلاد وما يسيطرون عليه من زروع وما يأسرونه من أنفس وما يقتلونه من محاربين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف