أسامة الألفى
المدونة السلوكية خطوة على الطريق
استوقفتنى عدة فقرات فى نص المدونة السلوكية حول أخلاقيات النشر فى الجرائم الإرهابية، التى صدرت عن الاجتماع المشترك للهيئة الوطنية للصحافة ورؤساء مجالس الإدارات ورؤساء تحرير الصحف القومية، واستضافته الأهرام قبل أيام، حيث مثلت هذه المدونة ما يمكن وصفه بـ «ميثاق شرف إعلامي» يحترم الكاتب والمتلقي، ويوجههما إلى المعلومة عبر الطرق الصحيحة. وأوجزت المدونة أكثر من نقطة ايجابية خرج بها المجتمعون، تأتى فى مقدمتها إعادة الاعتبار للمؤسسة الأزهرية التى اتهمها بعضهم زورًا بالترويج للفكر المتطرف، بينما كانت دومًا - ولا تزال - تمثل وسطية الإسلام وسماحته، وجاءت المدونة لتذكى هذا الدور.
وتؤكد أهمية تعظيم دور الأزهر الشريف، فى نشر قيم الأديان السماوية التى تنبذ العنف والإرهاب، وإيصال هذه الرسالة للجمهور، والدعوة الى فتح قنوات اتصال دائمة بين المؤسسة الدينية الرسمية والصحافة، والحرص على اللقاءات الدورية ومناشدة الأزهر اعتماد مجموعة من علمائه الأفاضل للتحدث فى وسائل الإعلام، ومنع محترفى التحريض والإساءة من تعكير صفو الرأى العام، إعمالًا للمادة السابعة من الدستور التى تقضى بأن الأزهر دون غيره هو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية ويتولى مسئولية الدعوة، وعودة الأزهر إلى ممارسة دوره سيجعل منه حائط الصد الأول فى مواجهة الإرهاب والتطرف. النقطة الثانية التى لفتت انتباهى دعوة المجتمعين إلى إنشاء مرصد وطنى لمتابعة قضايا الإرهاب فى وسائل الإعلام، يتولى رصد وتحليل المعالجات الإعلامية لقضايا التطرف والعنف والإرهاب بكل أشكاله وصوره، ويصدر تقارير إستراتيجية دورية، تقدم معلومات موثقة لكشف الإرهاب الذى يروع حياة الآمنين، ويسيء إلى صورة الإسلام وقيمه ومثله العليا، ويكون حلقة وصل دائمة لدحض الشائعات والدعاية الكاذبة أولًا بأول، وهى دعوة لو وضعت موضع التنفيذ فسوف تثمر عن تغيير جذرى فى الخطاب الإعلامي، يجعله أكثر مصداقية والتزامًا،
وترتبط بالنقطة السابق الدعوة إلى فتح قنوات الاتصال والمشاركة مع المجلس القومى لمكافحة الإرهاب، بما يمتلكه من قامات محترمة لها باع طويل فى معالجة الملف الإرهابي، خاصة أن المجلس يرأسه رئيس الجمهورية شخصيًا ويضم كبار رجال الدولة، وهو ما يتيح الحصول على المعلومات والحقائق أولا بأول، عبر تفعيل دور المجلس ليصبح المصدر الأساسى لوسائل الإعلام، سواء فيما يقدمه من معلومات، أو باستضافة اعضائه فى مختلف وسائل الإعلام، ترشيدًا للظهور العشوائى لأشخاص قد يسيئون عرض هذه القضايا أو عدم تداولها بالشكل الصحيح. وباختصار نجح الاجتماع فى تحقيق مسودة خطة إعلامية توجد توازنًا بين التعددية من ناحية والمصالح العليا للوطن من ناحية ثانية، مسودة تؤكد أهمية دعم الصحافة الحرة التى تتضمن تعدد وجهات النظر، وفى الوقت نفسه توحد الجهود للالتفاف حول راية الوطن فى قضية لا تقبل المزايدة أو التحريض.
يبقى أن هذه المدونة تظل عملا تنظيريًا لن يحقق الغاية منه مالم توضع موضع التطبيق، والتطبيق العملى يحتاج إلى تعاون أجهزة الدولة كافة مع الصحفيين بما يسهم فى قيامهم بدورهم الإعلامى على أكمل وجه، كما أن هذا التطبيق يحتاج إلى نظرة منصفة تصحح واقع الصحفيين المادي، وهو واقع مزر يحتاج إلى تعديل جذرى له، فتوفير الحياة الكريمة لهم يعينهم على تحمل مشاق رحلة البحث عن الحقيقة ونشرها، وهو ما أرجو أن تحمل الأيام المقبلة بشائره.