عن دار غراب للنشر والتوزيع صدرت أخيرا رواية «حلم نماتزى» للروائى المصرى مصطفى سليمان. وهى فانتازيا إفريقية تبدأ أحداثها فى صعيد مصر, ثم تمتد جنوبا عابرة جنادل النيل أعلى أسوان إلى الخرطوم, ومن الخرطوم إلى منابع النيل فى قلب إفريقيا. ونماتزى فتاة من ذلك القلب النابض بدقات الطبول وأعمال السحر وغارات الجلابين خاطفى العبيد. تتعرض نماتزى للخطف والبيع فى سوق النخاسة, فيطمع فيها الدلال ويصطفيها لنفسه لتصير جاريته الخاصة ومنه تتعلم فنون السحر. وتنجب له الطفل وراء الآخر فيقتلهم جميعاً وهم رُضّع ليجدد بدمهم النضير قواه السحرية. فتبيّت نماتزى لقاتل أطفالها نية الانتقام, حتى تتمكن منه ذات ليلة فتقتله وتهرب من أسره هائمة فى الصحراء الكبرى حيث تلتقى حكايتها ذات يوم بحكاية «إبراهيم» بطل الرواية المصرى الجنوبى.
وإبراهيم هذا من قرية صعيدية تتفتح فى قلبها زهرة جمال بيضاء فائقة الحسن:
فتاة اسمها زينة يقع فى غرامها كل شباب القرية, ويفوز بها إبراهيم إذ يزوجه أبوه بها. لكن الجميلة التى لا قلب لها ولا خلق تخون إبراهيم مع أخيه سليم الذى تلتقى به سراً وتطارحه الغرام فى البر الغربى بالقرب من معبد غارقة أعمدته فى الرمال. وحين يعلم إبراهيم بالأمر ويهبط عليهما كالصاعقة يبادرانه بالغدر ويقتلانه معاً – أو هكذا يظنان, وتظن القرية كلها معهما أنه مات؛ أما حقيقة الامر, فإن نماتزى الفتاة الإفريقية الساحرة بقوة الحب والسحر معاً تنقذه من الجروح الغائرة لموت محقق حين تتعثر بجسده الملقى مغدوراً نازفاً فى الصحراء. وحين ينجو إبراهيم من الموت تقول له نماتزى ما معناه:«أنت عبدى.. وقدرى.. وأنا قدرك». لكن التربية الذكورية والعرقية لإبراهيم تجعله يعُدّ «نماتزى» الزنجية جارية له, ويعتزم بيعها عند أول فرصة لقاء بندقية يحوز بها ثأره لشرفه و انتقامه من الغدر به على يد قاتليه سليم وزينة. ولا يغير من موقفه وعزمه شيئا أن نماتزى صارت تحمل فى أحشائها طفله. وتلد الساحرة الجميلة السوداء نماتزى ذلك الطفل لإبراهيم الذى لم يحبها, لتتصاعد خرافة الفانتازيا حين تمارس نماتزى سحرها الأسود على عبدها وسيدها إبراهيم, وهى تموت من الضعف والمرض بعد ولادة عسيرة, فتحكم عليه بأن يمرض بداء رهيب لثلاث ليالٍ من كل شهر هى ليالى اكتمال القمر, ليمتلئ جسده بقروح تفرز صديداً كريه الرائحة ويتلوى بآلام غير محتملة, ولا ينجو من هذا السحر نهائياً إلا بإيصال رماد جثمانها, ورماد جثامين أطفالها الذين قتلهم الدلال الساحر سيدها القديم, والذين تحمل رمادهم معها فى زق جلدى – إيصال هذا الرماد إلى موطنها عند منابع النيل فى سفح جبل رونزورى ذى القمة الثلجية حتى فى عز الحر الاستوائى. والرواية هى رحلة إبراهيم المكتوبة عليه لإيصال هذا الرماد ودفنه فى موطن نماتزى ليستريح جثمانها ويستريح جسده هو وروحه من الداء السحرىّ الرهيب. والخلاص هو ما يتحقق فى النهاية؛ حيث تستريح كل الأرواح المعذبة فى الرواية, لا نماتزى وإبراهيم فقط: يستريح رضوان معاقر الخمر النبيل صديق إبراهيم الذى أفشى تحت تأثير الخمر سر خيانة زينة له مع أخيه سليم, والذى يُفجع بموت إبراهيم المزعوم ثم يرى فى منام أن إبراهيم لم يمت فيسعى خلفه هائما فى الصحراء والبرارى, حتى يريحه الموت فى قاع سفينة بعد أن خطفه جلابو العبيد فى السودان؛ وتستريح أمه الملتاعة لفقده حين يصلها حسن طفل إبراهيم من نماتزى لتربيه؛ ويستريح هريدى أخو إبراهيم و سليم من لعنة عشق زينة التى أفقدته أخويه, حين يتوب عن ذلك العشق ويحج بيت الله؛ وتتحقق العدالة الشعرية فتريح شخصيات الرواية وقارئها حين تفقد زينة المكبلة بقيود هريدى عقلها نهائياً وهى ترى أمامها إبراهيم الذى قتلته بيدها وقد عاد, وتبول على نفسها صارخة «عفريت إبراهيم!», لتصير من بعدها مخبولة القرية. «حلم نماتزى» عمل مكتوب بشاعرية, وفيه مزيج من الفانتانزيا والحقيقة التاريخية, ويلعب فيه نهر النيل دور البطولة فى سياق من الحواديت والمؤامرات السياسية, حيث تسعى الإمبريالية العالمية لانتزاع النيل ومنابعه من مصر, فى خلفية أحداث الرواية الدائرة فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر بين عامى 1860 و1874.