بسيونى الحلوانى
سلامة الغذاء.. معركة الدولة "الواجبة"
منذ أيام استقبلت صديقا مصريا برفقة زوجته الأوروبية وعندما حاولت التعبير عن كرم الضيافة المصري واصطحابهما الي محل "كباب وكفتة" شهير لتتذوق الضيفة الأوروبية المذاق المميز للأكل المصري فوجئت بزوجها يعتذر ويخبرني أنها لا تأكل إلا من محلات طعام تتبع سلسلة عالمية شهيرة لأن بعض أصدقائها حذروها من تلوث الطعام في مصر وخاصة اللحوم والخضراوات والفواكه!
بعد استيعاب الصدمة طلبت منه أن يلح عليها للتجربة وسوف تدمن الطعام المصري وتأتي الي مصر خصيصا من أجله وطمأنتها أننا سنذهب الي مطعم شهير له سمعته الطيبة.. حاول الصديق ولكن دون جدوي وعرض علي أن يرافقني هو وحده فاعتزرت حرصا علي مشاعر زوجته.
قبل هذا الموقف بأيام أخبرني أحد الإخوة الفلسطينيين الذين يعشقون مصر أنه قرر العودة الي البلد الأوروبي الذي يحظي بجنسيته ومن بين الأسباب التي دفعته الي ذلك أن الغذاء في مصر ليس نظيفا رغم أسعاره الزهيده إذا ما قورن بأسعار الغذاء في العالم وخاصة أوروبا.
والي جانب هذا وذاك ما زلنا نقرأ في وسائل إعلامنا عن قرارات دول أوروبية وعربية بحظر دخول بعض المنتجات الزراعية وغير الزراعية المصرية بسبب عدم سلامتها من الملوثات وعدم مطابقتها لمعايير الطعام النظيف.. وآخر الدول العربية التي فعلت ذلك المملكة العربية السعودية التي حظرت دخول الفراولة.. ومنذ أيام دخول الأسماك.
*****
والواقع أن سلامة الغذاء في مصر تحتاج الي إجراءات أكثر حسما واهتماما من الدولة خاصة ونحن خارجون من حالة فوضي لم تكن فيها رقابة علي شيء في مصر وفي مقدمتها مصادر الطعام والشراب سواء أكانت زراعية أو صناعية أو منتجات لحوم وأسماك وغيرها. فالتلوث في مصر طال كل ما نأكله ونشربه حتي الأدوية التي نعالج بها أمراضنا.
لا ينبغي أن نضع رءوسنا في الرمال وندافع ونبرر دون علم ودون معرفة فكل خبراء التغذية في مصر يؤكدون عدم سلامة المنتجات الزراعية من خضراوات وفواكه بسبب تلوثها بالأسمدة والهرمونات الزراعية والمبيدات الحشرية وأعتقد أن هذا التلوث هو الذي يعوق منتجاتنا الزراعية من دخول العديد من الدول الأوروبية.
لا ينبغي السكوت علي مصادر أساسية لتلوث المياه التي تستخدم في الزراعة والتي تضر بالبيئة الزراعية فمازالت مصانع الكيماويات بكفر الزيات وغيرها تصرف مخلفاتها في النيل وهي مخلفات تهلك الحرث والنسل وتظهر سمومها أولا بنفوق كميات هائلة من الأسماك.. ثم تصل تلك السموم الي الضحايا الأكبر من المواطنين والكل يشرب من مياه النيل.
لا ينبغي أن نترك غالبية المصارف الزراعية تستقبل يوميا مخلفات الصرف الصحي والصناعي من المصانع بكميات كبيرة بصفة يومية دون معالجة الأمر الذي تسبب في تدهور نوعية التربة. وانتشار أمراض الفشل الكلوي والسرطان وأمراض الكبد وغيرها من الأمراض المزمنة. خاصة في محافظات الدلتا.. وقد رصدت الصحفية المتميزة أسماء نصار أخطر سبعة مصارف زراعية تتعرض للتلوث يوميا في مصر وهي: مصرف عمر بيه الذي يصب مباشرة في نهر النيل بالقرب من محطات مياه الشرب في محافظة الدقهلية. بما يحمله من مخلفات صناعية وزراعية.. ومصرف الخضراوية الذي يقع في زمام مركز قويسنا خلف المنطقة الصناعية. حيث يلقي مخلفاته الصلبة والكيماوية في نهر النيل.. ومصرف كتشنر الغربية الرئيسي ويمتد بطول يزيد علي 100 كيلو متر بداية من المحلة الكبري. حيث تصرف به جميع مصانع المحلة وبعض مصانع كفر الزيات من خلال مصارف فرعية أخري. إضافة إلي الصرف الصحي في طنطا مرورًا بحدود محافظة كفر الشيخ .. ومصرف (بحر البقر) الذي يعتبر من أخطر مصادر التلوث لما يحمله من مخلفات صناعية وزراعية وصرف صحي غير معالج. ويبلغ طوله حوالي 190 كيلو مترا. ويمتد من جنوب القاهرة مارًا بمحافظات" القليوبية والشرقية والإسماعيلية والدقهلية" ويستقبل مخلفات الصرف الصحي غير المعالج من التجمعات السكانية علي جانبيه أو من شبكات للصرف الصحي مباشرة من المدن المطلة عليه.. ومصرف (كيما أسوان) الذي كان مخرًا للسيول في الماضي. واستغله مصنع كيما في صرف مخلفاته. والذي يلقي بدوره في النيل مباشرة. كما تشترك معه هيئة الصرف الصحي التي تلقي بالصرف في النيل.. ومصرف (الرهاوي) الذي يلقي مخلفات الصرف الزراعي والصناعي بما يحتويه من الأسمدة والمبيدات الزراعية والعناصر الثقيلة في فرع رشيد بنهر النيل.. ومصرف المحيط الذي يصب مياه الصرف الصناعي والصحي والزراعي بمحافظة المنيا مباشرة في نهر النيل.
*****
لقد أصدر رئيس الوزراء م شريف إسماعيل مؤخرا قرارا بتشكيل مجلس إدارة الهيئة القومية لسلامة الغذاء برئاسة د. حسين منصور ويضم في عضويته 15 عضوا يمثلون وزارات الزراعة والتموين والصحة والبيئة والتجارة والصناعة والسياحة.. بالاضافة الي ممثلين للخدمات البيطرية والغرف التجارية وحماية المستهلك وشخصيات عامة معنية بسلامة الغذاء.
ولا شك أن هذه خطوة طيبة علي طريق حماية المصريين وكل من يحل عليهم ضيفا من التلوث الغذائي.. لكن تظل رقابة الدولة هي محور القضية فغياب الرقابة أدي الي تدهور كل ما نأكله ونشربه.. وأقرب مثل علي ذلك سوء مستوي رغيف الخبز الذي تدعمه الدولة سنويا بالمليارات ويذهب معظمها الي جيوب المستغلين من موردي الدقيق الفاسد وصناع رغيف الخبز الفاسد من أصحاب المخابز.
نحن في أمس الحاجة الي إجراءات جادة لحمايتنا من الغذاء الملوث وحماية سمعة مصر من تلوث الغذاء.