المعركة الشرسة القائمة الآن بين عمال شركة المحلة.. ووزارة قطاع الأعمال فيها جانب يبكي.. وجانب يضحك.. وفيها أيضاً تكتشف غياب العقل عن الأزمة وعن طرق حلها.. ويبدو أن كلا الطرفين لم يسمع من قبل بحكاية «شعرة معاوية» وهو من دهاة العرب عندما قال: لو كانت بيني وبين أحدهم شعرة.. ما انقطعت.. إذا شدوا أرخيت وإذا أرخوا.. شددت.
إذ العلاقة الآن بين الشركةـ والتي كانت أكبر شركات مصر من حيث عدد العمالة بها تكاد تنقطع مع الدولة، المالكة الفعلية ممثلة في الوزارة.. فالعمال مصممون علي عدم فض الاعتصام إلا بعد أن تحل الوزارة مشاكلهم.. والوزارة تصر قائلة: لن نوافق علي المطالب إلا بعد فض الاعتصام. هنا أقول للطرفين: أليس بينكم معاوية؟!
<< وواضح أن العمال قد لدغتهم العقارب والثعابين أكثر من مرة.. بعيداً عن الحديث القائل: لا يلدغ المرء من جحر مرتين.. إذ واضح أن العمال سبق أن احتجوا وهددوا.. ثم وعدواـ من الدولةـ بالحل، كلما عادوا للعمل.. لم تنفذ الحكومة وعدها.. ومطالب العمال الآن تتركز فى زيادة قيمة بدل الغذاء، وصرف العلاوات بنسبة 10 % أى تحسين أوضاعهم المالية.
ومع أنني أقف في صف العمال ليواجهوا الغلاء الرهيب الحالي، الا أنني أسأل: هل زاد انتاج العمال في الفترة الأخيرة.. علي الأقل بما يفي بهذه المطالب.. أم أن هذه المطالب سوف تزيد الأعباء، والخسائر علي الشركة؟ هنا يجب أن تقوم المفاوضات بين الوزارة وبين العمال علي الربط بين الأجور الاجمالية.. وبين قيمة الانتاج الحقيقي.. ومستوي جودته حتي لا تضطر الشركة إلي الصرف من أصول الشركة، فهذا هو الخطأ الرهيب.
<< وأتذكر هنا حكاية يجب ألا ننساها خلال الشهور الأولي من ثورة 25 يناير أن اشتكي لي صاحب احدي الشركات الكبري في مدينة العاشر من أن العمال يطلبون بصرف حصة من الأرباح التي سوف تتحقق في العام القادم.. أي العام الذي لم يعملوا فيه بعد... فنصحته- وهم يحاصرونه في مكتبه ومعه مجلس الادارةـ أن يوافق بشرط أن يوقعوا علي تعهد بأنهم سوف يتحملون نصيبهم من الخسائر إذا وقعت.. وبالطبع رفضوا.. ثم أوقفوا اعتصامهم بوعد منه علي تحسين أوضاعهم المالية.. إذا زاد الانتاج وتحسنت نوعيته.
وأضيف هنا: هل انتاج شركة المحلة زاد في الفترة الأخيرة.. وهل زادت معدلات التصدير.. وهل تحققت أي نوعية من الأرباح.. أم أن أصوات العاملين هي الأعلي الآن وسوف تجبر الادارة علي الاستجابة؟
<< وأعلم أن مجالس الإدارة زمان كانت تضم ممثلين للعمال. وأن النقابات أيضاً كان لها مندوبوها داخل الشركات الكبري.. هل مازال ذلك مطبقا ليعرف العمال حقيقة الأوضاع المالية.. ثم لكي يعرفوا مدي جدية الادارة في برامج تطوير آلات المصانع وتحديثها حتى تجد الإدارة ما تدفع به مرتبات العاملين مستقبلاً.. أم أن العمال لم يعد يهمهم إلا تحقيق مطالبهم الآن وبأي صيغة.. حتي ولو انهارت الشركةـ أي شركةـ بسبب زيادة المطالب والنفقات على عائدات الانتاج والأرباح.
<< وإذا كنت أطالب بالربط بين اجمالي الأجور والمزايا.. والأرباح المؤكدة فإنني أطالب أيضاً بتجنيب نسبة من صافي الأرباح للإنفاق منها علي برامج التطوير والتحديث.. فهذا هو ما يضمن أن يحصل العمال علي أجورهم مستقبلاً.
أما حكاية سيب وأنا أسيب فإن الكل يخسر فيها: الإدارة والعمالأ فالأولي تخسر قيمة الانتاج الذي ضاع بسبب الإضراب.. والثانية (العمال) يخسرون بطول فترة الإضراب.. لأن الشركة في النهاية ـ أي شركةـ لن تجد أموالاً تستجيب منها لمطالب المعتصمين أو المضربين!
<< وتذكروا ـ والنبي ـ شعرة معاوية.