الدستور
ماجد حبته
لا «تكافل».. ولا «كرامة»!
لن يستقيم الظل والأصل أعوج. ومهما كانت محاولات الإصلاح جادة ونيات تنفيذها صادقة، فإن النتيجة لن تكون إيجابية، لو تم إسناد التنفيذ إلى فاسدين، مهملين، أو على أقل تقدير غير أكفاء وحسني النية. وهذا للأسف ما حدث في برنامج «تكافل وكرامة» الذي ذهبت مليارات من أمواله إلى غير مستحقيها، بسبب الفساد أو الإهمال أو عدم كفاءة حسني النية!.



الخطيئة الأولى، أو الخطوة الأولى إلى الجحيم، ارتكبتها وزارة التضامن الاجتماعي، باستعانتها بشركة أبحاث خاصة، تقاضت ملايين، وأهدر باحثوها مليارات. وتبع تلك الخطوة أو الخطيئة، خطوات وخطايا، استمرت لسنتين تقريبًا، ظلّت خلالهما الوزارة نائمة على أذنيها، قبل أن تكتشف بشاعة ما آلت إليه الأوضاع، وتحاول تعديل المسار ولملمة ما تبعثر. وبالتزامن، مع الخطوات أو الخطايا، تم ويتم إهدار كرامة المستفيدين من البرنامج، بعرض فيديوهات رخيصة، في الصفحة الرسمية للبرنامج على «فيسبوك»، يحمل فيها المواطنون «كارت الفيزا» ويردّدون كلامًا، تم تلقينه لهم، على الأرجح!.



تكافل وكرامة، هو برنامج حكومي أرادت به الدولة، كما هو واضح من اسمه، أن تكفل للفئات الأشد احتياجًا حياة كريمة: برنامج تكافل يقدم مساعدات مالية للأسر الأوْلى بالرعاية، مع صرف مساعدة شهرية للطالب بحد أقصى ٣ طلاب في الأسرة الواحدة. في حين يمنح برنامج كرامة دعمًا نقديًا شهريًا لكبار السن، ومَن لديهم عجز كلي أو إعاقة تمنعهم من العمل.



كلام جميل طبعًا ومعقول جدًا، لكن ما يجعل الجميل قبيحًا والمعقول ليس كذلك، هو أن تقرأ على لسان الدكتورة نيفين القباج، المسئولة عن البرنامج، أنه تم تجميد صرف مساعدات لـ٤٨ ألف مواطن من البرنامج، لحين التأكد من استحقاقهم للمساعدات. وأنه تم بالفعل استبعاد ٣ آلاف شخص بعد التأكد من عدم استحقاقهم، وثبوت أن لديهم أملاكًا وأن أبناءهم في مدارس خاصة، تزيد مصروفاتها على ٢٠٠٠ جنيه شهريًا. والإشارة هنا واجبة إلى أن هذين الرقمين مجرد نقطة، أو نقطتين، في بحر، بدليل أن عدد غير المستحقين في محافظة واحدة، تجاوز المائة ألف!.



وكما تتسبب كثرة السلامات في تقليل المعرفة، فإن كلام الوزيرة ومساعدتها، الكثير، والكثير جدًا، وضعنا أمام غابة من الأرقام تقفز وترتد وتزيد وتقل: في ٩ مارس ٢٠١٦، أعلنت نيفين القباج، مساعد وزير التضامن الاجتماعي ومدير البرنامج، أنه يغطى حوالي ٧٣٠ ألف أسرة، بما يوازي ٣ ملايين و٢٠٠ ألف مواطن. وفي ١٣ أبريل ٢٠١٦ قالت الوزيرة إنهم ٥٠٠ ألف أسرة بواقع ٢ مليون و٢٠٠ ألف مواطن وفي ١٢ نوفمبر كان الرقم الذي أعلنته الوزيرة هو مليون أسرة قامت بترجمته إلى ٤ ملايين و٢٣٠ ألف مواطن. وفي ٢٧ نوفمبر قالت نيفين القباج إن عدد المستفيدين وصل إلى مليون و٢٠٠ ألف أسرة أي حوالي ٥ ملايين و٢٠٠ ألفًا!.



لن أتركك تقارن الأرقام، دون أن أضيف أن الوزيرة قالت لبرنامج «حلقة الوصل»، على قناة «ON Live»، في ١٦ أبريل ٢٠١٧، إن إجمالي الأسر التي استفادت من البرنامج مليون و٢٧٠ ألف أسرة، وإن إجمالي المبالغ المصروفة من خلال البرنامج بلغ أكثر من ٤.٤ مليار جنيه حتى ديسمبر الماضي. وأضافت أن الوزارة تعمل على زيادة عدد المستفيدين بواقع ١٠٠ ألف أسرة شهريًّا، بما يعادل ٥٠٠ ألف مستحق، بزعم أن متوسط الأسرة في مصر يصل إلى ٥ أفراد.



وبالفعل قفز الرقم، في ٢٥ يوليو، بإعلان الوزيرة، خلال جلسة عن البرنامج، ضمن فعاليات اليوم الثاني لمؤتمر الشباب الرابع، أن المسجلين في البرنامج يبلغ عددهم ٣ ملايين و٢٥٨ ألف أسرة، وأن عدد المستحقين وصل إلى مليون و٧٣٩ ألف أسرة. وأتمنى ألا تكون قد نسيت أن الوزيرة قالت إن المبالغ المصروفة تجاوزت ٤.٤ مليار جنيه، حتى ديسمبر الماضي، لأن الوزيرة أعلنت في الجلسة، أي في ٢٥ يوليو، أنه تم توزيع ٨ مليارات و١١٠ ملايين جنيه للمستفيدين. بما يعني أن الرقم ارتفع بما يقل قليلًا عن ٤ مليارات جنيه، خلال ستة أو سبعة أشهر!.



أتركك الآن مع غابة الأرقام، لأنتقل إلى المهازل والكوارث التي ارتكبها باحثو الشركة الخاصة، التي بعد أن اكتشفتها الوزارة، اهتدت إلى تشكيل لجان «المساءلة المجتمعية لبرنامج تكافل وكرامة»، بالمحافظات، أقسم أعضاؤها على التحقق من وصول الدعم النقدي لمستحقيه. وأُوكلت إليها مهمة تنقية كشوف المستفيدين والتحقق من مدى استحقاقهم للدعم قبل إصدار كروت الصرف، ومساعدة المستحقين الجدد في التقدم والتسجيل.



في محافظة المنيا، مثلًا، تم تشكيل ١٢٧ لجنة، في مايو ٢٠١٧، وبعد فحص أوراق ٢٦٧ ألف مواطن، استفادوا من البرنامج، اتضح حصول أكثر من ١٠٠ ألف على الدعم دون وجه حق، وأن بينهم مَن يمتلكون أراضى زراعية، ومنهم مَن يتقاضون معاشات، بل كان فيهم مَن يعملون خارج البلاد!. مائة ألف من ٢٦٧ ألفًا، بما يعنى أن النسبة تقترب من ٤٠٪، وبما يجعلنا نسحب النسبة نفسها على عدد المستفيدين الـمليون و٧٣٩ ألف أسرة، طبقًا لآخر رقم أعلنته الوزيرة، وعلى الـ٨.1 مليار جنيه التي تم صرفها!.



رائع طبعًا أن يتم تشكيل لجان تقييم أو «لجان المساءلة المجتمعية».. وجميل جدًا أن يتم استبعاد مئات الآلاف ووقف الصرف لمئات الآلاف، لحين إعادة النظر. لكن، ما مصير المبالغ التي صرفها غير المستحقين؟! وكيف ستتم محاسبة من تسببّوا في إهدار كل تلك المليارات؟!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف