الدستور
كمال الهلباوى
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ «1-3»
أمرنا الله تعالى بالعمل الصالح فى الحياة الدنيا، وسيراه الله تعالى والرسول -صلى الله عليه وسلم- وسيراه المؤمنون فى الآخرة كذلك، وفى هذا تفصيل كثير نقدم له بما جاء فى التفاسير ثم بعض النظرات فى الموضوع فى ضوء ما نعيشه اليوم فى عالم مضطرب ومتخبط، لعل وعسى أن يكون فى ذلك الهداية والتوفيق بعيدًا عن التضليل والفساد والإفساد وتمزيق الأمة والصراع بالحق أو بالباطل.
ففى تفسير ابن كثير نقرأ قوله تعالى، «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» قال مجاهد: هذا وعيد، يعنى من الله تعالى للمخالفين أوامره بأن أعمالهم ستعرض عليه تبارك وتعالى، وعلى الرسول وعلى المؤمنين، وهذا كائن لا محالة يوم القيامة، كما قال: «يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية» «الحاقة: ١٨»، وقال تعالى: «يوم تبلى السرائر» الطارق: ٩، وقال «وحصل ما فى الصدور» العاديات: ١٠ وقد يظهر ذلك للناس فى الدنيا.
كما قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبى الهيثم، عن أبى سعيد، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لو أن أحدكم يعمل فى صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة، لأخرج الله عمله للناس كائنًا ما كان».. وقد ورد أن أعمال الأحياء تعرض على الأموات من الأقرباء والعشائر فى البرزخ، كما قال أبوداود الطيالسى: حدثنا الصلت بن دينار، عن الحسن، عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أعمالكم تعرض على أقربائكم وعشائركم فى قبورهم، فإن كان خيرًا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: «اللهم، ألهمهم أن يعملوا بطاعتك».
وقال الإمام أحمد: أخبرنا عبدالرزاق، عن سفيان، يقول: قال النبى صلى الله عليه وسلم: «إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيرًا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم، لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا».. وقال البخارى: قالت عائشة، رضى الله عنها: إذا أعجبك حسن عمل امرئ، فقل: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ».
وقد ورد فى الحديث شبيه بهذا، قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا حميد، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا عليكم أن تعجبوا بأحد حتى تنظروا بم يختم له؟ فإن العامل يعمل زمانًا من عمره- أو برهة من دهره- بعمل صالح لو مات عليه لدخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملا سيئا، وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل سيئ، لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملًا صالحًا، وإذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله قبل موته». قالوا يا رسول الله: وكيف يستعمله، قال: «يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه» تفرد به أحمد من هذا الوجه.
أما فى تفسير القرطبى فإننا نقرأ معنى قوله تعالى «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ».. قوله تعالى «وَقُلِ اعْمَلُوا» خطاب للجميع، «فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» أى بإطلاعه إياهم على أعمالكم، وفى الخبر: لو أن رجلًا عمل فى صخرة لا باب لها ولا كوة لخرج عمله إلى الناس كائنا ما كان، وفى تفسير الطبرى نقرأ القول فى تأويل قوله: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»:
قال أبوجعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد- صلى الله عليه وسلم-: «وقل»، يا محمد، لهؤلاء الذين اعترفوا لك بذنوبهم من المتخلفين عن الجهاد معك، «اعملوا»، لله بما يرضيه، من طاعته، وأداء فرائضه، «فسيرى الله عملكم ورسوله»، يقول: فسيرى الله إن عملتم عملكم، ويراه رسوله والمؤمنون، فى الدنيا، «وستردون»، يوم القيامة، إلى من يعلم سرائركم وعلانيتكم، فلا يخفى عليه شىء من باطن أموركم وظواهرها، «فينبئكم بما كنتم تعملون»، يقول: فيخبركم بما كنتم تعملون، وما منه خالصًا، وما منه رياءً، وما منه طاعةً، وما منه لله معصية، فيجازيكم على ذلك كله جزاءكم، المحسن بإحسانه، والمسىء بإساءته.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون»، قال: هذا وعيدٌ.. وفى تفسير السعدى نقرأ معنى قوله تعالى «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»: يقول تعالى‏:‏ ‏{‏وَقُلْ‏}‏ لهؤلاء المنافقين‏:‏ ‏{‏اعْمَلُوا‏}‏ ما ترون من الأعمال، واستمروا على باطلكم، فلا تحسبوا أن ذلك سيخفى‏.‏
‏{‏فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ‏}‏أى‏:‏ لا بد أن يتبين عملكم ويتضح، ‏{‏وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏ من خير وشر، ففى هذا التهديد والوعيد الشديد على من استمر على باطله وطغيانه وغيه وعصيانه‏.‏
ويحتمل أن المعنى‏:‏ أنكم مهما عملتم من خير أو شر، فإن اللّه مطلع عليكم، وسيطلع رسوله وعباده المؤمنين على أعمالكم ولو كانت باطنة‏.‏. أما فى تفسير البغوى فنقرأ معنى قوله تعالى: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ».. قال مجاهد: هذا وعيد لهم. قيل: رؤية النبى -صلى الله عليه وسلم- بإعلام الله تعالى إياه، ورؤية المؤمنين بإيقاع المحبة فى قلوبهم لأهل الصلاح، والبغضة لأهل الفساد» وللحديث صلة.. وبالله التوفيق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف