الدستور
د. محمد عفيفى
محمود شكوكو.. دراسة فى تاريخ شخصية ابن البلد «1»
لم أتردد فى كتابة مقال مثلما ترددت فى كتابة هذا المقال.. هل لى أن أعترف بأننى خشيت من استقبال القارئ مقالى، ربما يتساءل القارئ: كيف يكتب رئيس قسم التاريخ فى أعرق كلية آداب فى العالم - فى جامعة القاهرة - عن شكوكو؟ ما هذا العبث؟!! أين تاريخ القادة والزعامات والثورات والحروب؟ هل نضب معين التاريخ، ولم نجد إلا شكوكو؟!
ولكن الأمر حُسِم لدىّ، وربما من فترة، عن أى تاريخ نتحدث، عن التاريخ الرسمى، أم تاريخ الناس؟
لماذا أكتب عن شكوكو؟ مازلت أتذكر ـ وأنا طفل صغير ـ ضحكات جدى، رحمة الله عليه، وهو يشاهد شكوكو يُلقى مونولوجاته فى التليفزيون، كان شكوكو هو مبعث البهجة لجدى؛ جدى الذى جاء مهاجرًا من المنوفية إلى شبرا وعمل ببلدية القاهرة آنذاك، وكنت أسأله: ليه بتحبه يا جدى؟ فتأتى إجابته معطرةً بالضحكات: ده شكوكو، شكوكو بقزازة!! عندما كبرت وبدأ اهتمامى يتزايد بالتاريخ المعاصر، وبتاريخ الناس، أدركت معنى «شكوكو بقزازة».
ولد شكوكو فى عام ١٩١٢، وبدأ فى ممارسة الغناء لكنه برع فى فن المونولوج، ولمع نجم شكوكو مع ظهور الإذاعة وانتشار الراديو، لاسيما راديو المقهى، وكانت السينما هى الممر الثانى لشهرة شكوكو.
عودة مرة أخرى إلى حكاية «شكوكو بقزازة»، حيث صاحبت فترة الحرب العالمية الثانية وما بعدها مشاكل فى الصناعة والاستيراد، وأزمة اقتصادية حادة، من هنا تمت الاستفادة من شهرة شكوكو فى الأوساط الشعبية، بجلبابه وطرطوره الشهير، فى صناعة تمثال له يشتريه الأطفال والناس عامةً فى مقابل الزجاجات الفارغة، لحاجة السوق المصرية إلى الزجاج، فضلًا عن نقص السيولة النقدية فى أيدى الناس.
ولكن تاريخ شكوكو ملىء بالأساطير؛ إذ نُسِجَت حكاية أخرى، لا ندرى هل روَّج لها شكوكو بنفسه، أم صنعتها المُخيِّلة الشعبية التى تبحث لها عن بطل، إذ سيصبح شكوكو بطل الحركة الوطنية!! تقول الأسطورة إن الفدائيين المصريين الذين كانوا يقاومون الاحتلال البريطانى لجأوا إلى حيلة «شكوكو بقزازة» لحاجتهم إلى الزجاجات لصناعة المولوتوف كقنابل ضد معسكرات الجيش البريطانى!
ومن الأساطير الأخرى المرتبطة بشكوكو قصة تنافسه هو والفنان الكبير يوسف وهبى على قلب سيدة من «بنات الذوات» لها قصر مشهور، وكيف دخل يوسف «بك» وهبى - «جان» السينما المصرية آنذاك - فى صراع حاد مع شكوكو طيلة حياته، حتى إنه يقال إن يوسف وهبى رفض أن يقدم فقرة شكوكو فى حفلات أضواء المدينة الشهيرة.
ومن ضمن الأساطير المرتبطة بشكوكو، قصة فيلمه الشهير «عنتر ولبلب»، الذى يستحق منا تحليلًا خاصًا، ولكن ما يهمنا هنا هو تغيير اسم الفيلم وأفيشه، فالاسم الأصلى «شمشون ولبلب» ولكن بعد عرض الفيلم تغير اسمه، بل والأفيش، إلى «عنتر ولبلب» وأُدخل بعض التغيير على الفيلم نفسه لتحدث عملية دبلجة ويتغير نطق شمشون طوال الفيلم إلى عنتر!!
وسيرًا على نسق الأساطير التى ارتبطت بشكوكو، رأى البعض أن اليهود قد اعترضوا على استخدام اسم شمشون والسخرية منه، لأن هذا الاسم من الأسماء المهمة المعتبرة فى التاريخ اليهودى، لكن يلاحظ أن عرض الفيلم كان فى عام ١٩٥٢، أى بعد حرب فلسطين!!
ورأى البعض الآخر أنه تم تغيير الاسم من شمشون إلى عنتر لكى ينتصر البطل المصرى «لبلب» على البطل العربى الشهير «عنتر» تأكيدًا للدور المصرى!!
بينما يرى آخرون أن سبب التغيير بسيط، حيث يرجع إلى طبيعة الجمهور المستهدف من الفيلم، والذى يشكل له شمشون معضلة سواء فى النطق أو فهم تاريخه، بينما اسم عنتر من الأسماء المعروفة فى السِّير الشعبية عند عامة الناس، وهم فى الحقيقة جمهور الفيلم.
على أى حال سنتابع فى المقال القادم شكوكو ورحلته فى محاولة تأكيد شخصية ابن البلد، وحتى التوظيف السياسى لفنه!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف