الدستور
ماجد حبته
أربعة جوامع.. وقرار «واحد» رادع!
صورة متداولة على موقع التواصل الاجتماعى، «فيسبوك»، لعقار بمدينة الإسكندرية، أقام صاحبه «مئذنة» و«قبة» على سطحه، للحيلولة دون هدم الأدوار الكثيرة المخالفة!. وبالتركيز فى الصورة، ستكتشف وجود «محلات» بالدور الأرضى، كما ستستنتج من شكل «شبابيك» الدور الأول أنه «جامع»!
هذا هو الجامع الأول، أما الثانى، فجامع فى مدينة دمنهور، كان يحمل اسم الإرهابى حسن البنا، وحين قررت وزارة الأوقاف ضمه إليها تغير اسمه إلى «الرحمة»، أعلنت صاحبة العقار، الذى يشغل الجامع دوره الأرضى، أنها ستغلقه وطالبت باستعادة المكان من «الأوقاف»!. والجامع الثالث، كان ديكورًا فى «فيلم» مغربى فرنسى، وصار بطلًا لفيلم مغربى فرنسى آخر!. وإلى الثلاثة أضاف صديقى اللواء عبدالحميد خيرت جامعًا رابعًا، عاصر تجربة إنشائه الكوميدية والمأساوية، معًا، وحكى كيف تم التعامل مع الأمر بمنتهى الحسم.
فى منتصف الثمانينيات، كان «خيرت» رئيس مكتب مباحث أمن الدولة بالمعمورة الشاطئ، حين أصدرت محكمة الإسكندرية حكمًا بتمكين مواطن من شقته المغتصبة، بالدور الأرضى لأحد عقارات منطقة «العصافرة». غير أن «المُحضر»، الذى ذهب لتنفيذ الحكم، فوجئ بأن الشقة اختفت، وصارت زاوية للصلاة، وعلى أحد جدرانها وجد ملصقًا تعلن فيه «الدعوة السلفية» عن اعتزامها افتتاح الزاوية بصلاة الجمعة «القادمة»!. فلمّا أثبت «المُحضر» الواقعة وأعاد الأوراق إلى محكمة الإسكندرية، جاء قرار المستشار، رئيس المحكمة، كالتالى: «بيوت الله بُنيت على الصدق والتقوى، لا على الغش والتدليس، لذا نأمر بتنفيذ قرارنا السابق ونفاذه».
ولأن المنطقة يقطنها كثير من العناصر المتشددة فكريًا من مختلف الاتجاهات.. ولأن المجنى عليه كان مسيحيًا، انتقل الموضوع إلى مباحث أمن الدولة، وبعد تحريات سريعة رفع «خيرت» تقريرًا لقياداته، أوضح فيه خطورة الأمر، مرجحًا احتمال تصاعد الموقف، ومشيرًا إلى أن أبناء صاحب العقار تعمّدوا إقحام التيار السلفى «المتطرف». وطالب فى نهاية التقرير، باعتقالهم، واعتقال مسئولى «الدعوة السلفية» بـالمنطقة.
وبالتنسيق مع مأمور قسم شرطة المنتزه، تم عقد لقاء فى مكتبه مع أعضاء مجلسى الشعب والشورى والمجلس المحلى، للتحرك فى المنطقة وتوضيح حقيقة الواقعة للأهالى كل لا يتعاطفوا مع الجناة، أو يتذمروا من هدم الزاوية. وعند التنفيذ عرض صاحب العقار الإبقاء على الزاوية، مع توفير شقة أخرى للمجنى عليه بالشارع نفسه، ووافق أعضاء مجلسى الشعب والشورى على هذا المقترح، بينما رفضه «خيرت» وأصر على إعادة الشقة إلى المجنى عليه، صالحة للسكن لمدة ٦ أشهر، حتى يعرف أهالى المنطقة أنه لا أحد فوق القانون. وبعد ذلك وبعد موافقة المجنى عليه، يمكن تبديل الشقة بأخرى.
وكالعادة، رفع «خيرت» تقريرًا إلى قياداته بما حدث، وبعرض التقرير على اللواء زكى بدر، وزير الداخلية وقتها، كتب تأشيرة هذا نصها: «لقد تمت بجهودكم إعادة حق المواطن، والآن جاء دور حق الدولة، لذا نأمر باعتقال صاحب العقار لمدة تجدد مع استمرار اعتقال أولاده، حتى يكون ذلك رادعًا لكل من يحاول التحايل على القانون».
فى وجود المستشار، رئيس محكمة الإسكندرية، واللواء زكى بدر، واللواء عبدالحميد خيرت، كان «موحا» سيجد حلًا لمشكلته أو معضلته. و«موحا»، هو ذلك الفلاح البسيط الذى قام بتأجير قطعة أرض يمتلكها، إلى الشركة المنتجة لفيلم «فى انتظار بازولينى». وعلى هذه الأرض، تم بناء ديكور «جامع». وبعد انتهاء التصوير، فوجئ «موحا» بأن الجامع «الديكور» تحول إلى جامع حقيقى، لتبدأ محاولاته اليائسة فى استرجاع أرضه، ولتكون تلك المحاولات هى موضوع فيلم «الجامع»، الفيلم التالى للمخرج نفسه، داوود أولاد السيد، الذى نال عنه جائزة «التانيت البرونزى» فى الدورة الـ٢٣ لمهرجان أيام قرطاج السينمائية. وفى السنة نفسها، ٢٠١٠، تم عرضه فى الدورة الـ٣٤ لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى.
عدم وجود «المستشار» و«بدر» و«خيرت»، فى قرية «ورزازات» المغربية، ٢٠٠ كم جنوب غرب مراكش، جعل قصة «موحا» تأخذ أبعادًا مأساوية، بإصرار أهالى القرية الصلاة فى الجامع «الديكور»، واستجابتهم لتحريض أحد الشيوخ أو المشايخ الذى تشبث بالمكان وقام باستغلاله لأغراض سياسية وشخصية. وعندما حاول «موحا» استرجاع أرضه بالقوة، تدخلت السلطات وقامت بترحيله من قريته، ليترك زوجته وأبناءه إلى مصير مجهول!.
على سبيل المزاح أو «التهريج»، يمكننا أن نتخيل نهاية مختلفة لفيلم «الجامع»، الذى ليس لنا فيه ناقة أو جمل أو كتكوت. أما ما لنا فيه كل ذلك وأكثر، فهو جامع دمنهور، الذى تعاملت السلطات مع صاحبة العقار بميوعة. وكذا عقار الإسكندرية المخالف، الذى لا نرى قرارًا مناسبًا غير إزالته كاملًا. وحال عدم رغبة السلطات فى اعتقال مالكه، استنادًا لقانون الطوارئ، ستجد فى قانون العقوبات، ما يقوده إلى السجن: المادة ٩٨ (و)، مثلًا، يعاقب بالحبس لمدة تصل إلى خمس سنوات كل من استغل الدين فى الترويج، بالقول أو بالكتابة أو بأى وسيلة أخرى، لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى. المادة، المعروفة باسم «مادة ازدراء الأديان»، تنطبق تمامًا على واقعة دمنهور، التى تم فيها استغلال «الجامع» فى منح صفة «إمام» لإرهابى، وفى الترويج لأفكاره المتطرفة. بالضبط، كما أن إقامة «مئذنة وقبة» على سطح عقار للحيلولة دون هدم الأدوار الكثيرة المخالفة، هى أيضًا، فكرة متطرفة. ولا أعتقد أن هناك تحقيرًا وازدراءً للإسلام، أكثر من محاولة استغلاله فى تمرير فساد قد يتسبب فى انهيار عقار، بما يستتبع ذلك من كوارث ستضر، قطعًا، بـ«السلام الاجتماعى»!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف