محمود سلطان
الإسلاميون.. خياران أحلاهما مر! (2)
نجحت بعض الأنظمة العربية، في إقناع العالم الغربي بمخاوفها من الإسلاميين بعض الوقت؛ وهو ما حمّل الاتحاد الأوروبي على الضغط على واشنطن، لتخفيف ضغوطها على تلك الأنظمة، وتبني فكرة "الإصلاح بالقطعة"؛ كيلا يهدد الإصلاح السريع، أمن واستقرار العالم!!.
غير أن تطورات الأحداث في العراق ولبنان ومصر وسوريا من جهة، ومشاركة التيارات الإسلامية ذات النزعة الوسطية والمعتدلة، والتي تشكل القوى السياسية الرئيسية في العالم العربي، التيارات السياسية الأخرى، في النزول إلى الشارع لمطالبة الأنظمة العربية بالإصلاح من جهة أخرى، قطع الطريق على سيناريوهات التسويف والمماطلة، وحمّل واشنطن من جديد على التدخل متوازية مع ما يجري في شوارع العواصم العربية، والتصريح علانية على لسان وزيرة خارجيتها آنذاك "كوندليزا رايس"، بأن الإدارة الأمريكية لم تعد تقتنع بالمخاوف من "البديل الإسلامي"، وأن القمع وإغلاق قنوات التعبير أمام الشعوب هي التي تفرز قوى التطرف.
وتلقى البيت الأبيض حينها، توصية من الخارجية الأمريكية، بضرورة فتح حوار جاد مع التيارات الإسلامية في العالم العربي، مشيرة إلى أن الحكومات العربية كانت تبالغ في التخويف منها؛ دفاعًا عن مصالح وامتيازات "النخب السياسية"، وهو بلا شك كان اتجاهًا جديدًا، ربما اعترف بشرعية "الشريك الإسلامي" في سيناريوهات الإصلاح المأمولة، ولكنه بقدر ما كان يبعث على التفاؤل، فإن ثمة محاذير كان يتعين عدم تجاهلها أو غض الطرف عنها، ومع ذلك فلا يجوز الإسراف في هذه أو في تلك:
والواقع أن الحالة التي نحن بصددها حالة شديدة التعقيد واللبس، تضع النشطاء الإسلاميين في محك؛ وهو في واقع الحال يثير الارتباك والحيرة، ولا يجوز التعامل معها بمنطق "إما مع وإما ضد"، والتي تحمل ضمنيًا التهديد بالإدانة والتشكيك في نبل القصد وصفاء النية.
فالوضع السياسي في العالم العربي والإسلامي يضع الإسلاميين في خيارات هي بالتأكيد "أحلاها مر": الرهان على الداخل لحل مشاكلهم، ولا أقول طموحاتهم وأحلامهم السياسية، ولكني سأكون أقل تواضعًا، وأقول مشاكلهم الأمنية وما ترتب عليها من مشاكل عائلية واجتماعية بالغة القسوة، أم الرهان على الخارج لحل تلك المشاكل مع سداد فاتورة هذا التوجه وتكلفته العالية أمام الرأي العام؟.
ففي العالم العربي عشرات الآلاف من المعتقلين الإسلاميين، أُودعوا بالمعتقلات والسجون مددًا بلغت أكثر من سنوات وبلا محاكمة، وبعضهم اختفى للأبد، وبعضهم الآخر يعاني من أمراض قاتلة، ولم يشفع له مرضه في الإفراج عنه، رغم مذكرات الإغاثة التي تقدم بها ذووهم للسلطات المختصة في بلادهم.
وفي المقابل تم الإفراج عن سجناء أدينوا في جرائم إما جنائية وإما ماسة بالأمن القومي؛ نتيجة ضغوط وتهديدات أوروبية وأمريكية واضحة ومحددة، بل إن الحكومة المصرية في وقت سابق، أفرجت عن الجاسوس "عزام عزام"، وقبل أن يستوفي مدة العقوبة، فيما تعاند حاليًا في الإفراج عن المعتقلين الإسلاميين، أو من أنهوا مدة العقوبة.
إنني أذكر هنا أمثلة على عجالة لضيق المقام، فيما يقبع خلف زنازين الأنظمة العربية الآلاف من النماذج المماثلة، وأشير فقط إلى "الملف الأمني" للإسلاميين، ولا أتحدث عن العشرات من الحقوق الأخرى التي يُحرمون منها.. لقد وضعت الأنظمة العربية، التيار الإسلامي أمام خيارات صعبة في ظروف دولية ضاغطة على تلك الأنظمة، ويدرك الإسلاميون أنها ظروف لحظية وطارئة وفرصة قد لا تتكرر مستقبلًا، فكيف تراهن على هذا الداخل الديكتاتوري وصاحب التاريخ الدموي في التعامل مع الإسلاميين، أو تراهن على خارج لا نأمن شره وألاعيبه الشيطانية؟!.