الجمهورية
علاء طة
"تجارة العواطف" التي وقعنا فيها!
مثل رجل جيد الهيئة.. جيوبه منتفخة. وعوده مستقيم كالوتر. وعيونه ذئبية حادة. كانت الدولة المصرية في 2010: اقتصاد قوي. وملامح حكم مدني تزيغ العقول. وسط حرية في التعبير تجاوزت سقف الممنوعات.. كانت الأمور جيدة رغم الفقر والجهل والمرض. فقد كان في الأفق أمل. وأدمن الكُتاب أن يصفوا الحالة بالنفق المظلم في نهايته النور.. في المقابل كانت الشريحة المستفيدة من الحكم تلتهم كل شيء مثل طفل.. الأطفال مهووسون بالكتلة والحجم. يفضلون أكبر قطعة لحم. وأضخم ثمرة مانجو. فهذا يشعرهم بالتميز والأمان. ولا يفكرون أن معدتهم لن تهضم هذا. ولا أنه غير مفيد صحياً.. ومثل الأطفال كوشوا علي المناصب. وضغطوا علي شرايين الاقتصاد.. وبينما كانوا يزورون بوقاحة انتخابات مجلس الشعب في أكتوبر. كانوا يحلبون الوطن بلا رحمة.. كانت الأزمة سياسية في المقام الأول. وكان السؤال: مصر رايحة فين؟!
لستة أعوام تالية تعددت الإجابات الخاطئة.. فمصر لم تتحرك من مكانها.. وهي كما هي "السياسة الموءودة" في عصر مبارك. التي أحالت الدولة إلي "شبه دولة". وهذا المصطلح صكته النخبة المصرية في 2009 عقب الأزمة الدبلوماسية بين مصر والجزائر بسبب مبارة كرة القدم للصعود لكأس العالم.
في شبه الدولة كان الاقتصاد عفياً ومبشراً. والسياحة واعدة تضخ المليارات. لكن غابت السياسة فظهر التجار بشعار "كل شيء بثمن".. تسعيرة لعضوية مجلس الشعب. وأخري للحصول علي حقيبة في الوزارة. كل المناصب تباع وتشتري.. وتزاوجت السلطة بالثروة. فأتت عواصف يناير 2011 لتصنع لمصر موعداً مع القدر.. تغير الأشخاص. وبقي التجار.. في التجارة تسعة أعشار الرزق. لكن في مصر التجارة أداة للوصول إلي الحكم والوزارة والمناصب وللسكن في الكامبوندات ومصاحبة الجميلات.. تاجر الشطار بكل الأصناف: دين وثورة ووطنية.. وتحول الوطن لسوق نخاسة للدم والأرواح. وراجت صكوك الجنة.. والأزمة السياسية امتزجت بوعكة اقتصادية.. "جئنا نكحلها فأعميناها".
في التاريخ أقصر طريق لسلب العقول والقلوب هو التجارة في العواطف.. الدين والثورة والوطنية أفكار عظيمة.. يبذل في سبيلها الإنسان ماله وحياته دون تفكير.. لكن عندما يقف علي بوابتها الوسطاء والتجار.. تتحول مبادئها التي تدعو للجمال والعدل والحق إلي أدوات للقتل باسم الله والوطن.. وهذه هي الآفة التي ضربت مصر من نهاية عصر مبارك إلي حكم المرشد.. وقعنا جميعاً في التجارة بالعواطف وأشرعنا سيوف التكفير ووضعنا مقاصل التخوين.. ولا حل ولا أبواب للخروج سوي في إحياء السياسة. باستنهاض الأحزاب. وفتح مجال التفكير في المستقبل. وإعادة فضيلة الحوار. وإغلاق أسواق التجارة بالعواطف والدين والثورة والوطنية بالضبة والمفتاح.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف