سكينة فؤاد
صرخات وأنين المرضي.. من يسمعها؟!
لا أظن أنني أعاني هذه الحيرة وحدي ما بين توجيهات وتصريحات جادة للقيادة وبين واقع ومعاناة ومسئولين لا يدركون مدي احتياج المصريين في هذه المرحلة الأصعب من تاريخنا وبكل ما نواجهه من تحديات ومهددات إلي مسئولين جادين يدركون أن الاصطفاف الوطني الذي تفرضه اللحظة يحتاج إلي توفير جميع عوامل قوة وتماسك وصلابة الداخل ومواطن واثق ومطمئن لا يجد مسافات واسعة، بين ما ينتظره ويأمل فيه وواقع شديد القسوة عليه وأقرب مثال يحضرني ما يحدث في مجال من أكثر المجالات تأثيرا وخطورة وهو الصحة والعلاج والمستشفيات والبطء، حيث تغيب أو تغيب حقائق كثيرة وقواعد لوائح تحمي المريض الذي لا حول له ولا قوة ولا معرفة بما يحدث له يرجو الله أن يرزقه بطبيب أمين عليه وكفء وعلاج قادر علي تكلفته أو علاج مجاني يحترم آدميته وإنسانيته في مستشفيات آدمية ولوائح تحمي الطبيب الأمين والكفء، ولا شك انهم كثر، وتحاسب المقصرين وتضبط أسعار العلاج وبما أيضا يقيم العدالة والحق ويطمئننا علي مستوي التعليم الطبي في مصر.
أثارت هذه التساؤلات توجيهات الرئيس الاثنين الماضي مع رئيس الوزراء ومجموعة من الوزراء من بينهم وزير الصحة!!.
كنت أتمني أن تضع الأجهزة الرقابية خاصة الجهاز المهم لهيئة الرقابة الإدارية ورئيسه المحترم اللواء عرفان تقديرا بما وصلت إليه أحوال مستشفياتنا، وبعضها كان محل تقارير للهيئة وقدمت صحيفة الوطن سلسلة تحقيقات مهمة عن الأحوال المتردية للمستشفيات.
في مواجهة كل هذا البلاء للأوضاع الصحية في البلاد والمسجلة والموثقة بالأدلة والتحقيقات الميدانية لا يجد وزير الصحة حرجا أو خجلا من المباهاة بضبط الأسعار وجودة الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين في تحقيق بالغ الخطورة لـ«الأهرام» بعنوان «بيزنيس العلاج يكسر ظهر المواطنين»، وإلي جانب تصريحات الوزير المدهشة والمجافية للواقع الصحي تماما جاء في التحقيق تصريحات يجب ان تناقش بجدية وبقدر وخطورة وأهمية ما تمثله الصحة من أمن قومي وإنساني، فالأمين العام لنقابة الأطباء د. إيهاب الطاهر وحول ما قيل عن اتجاه وزارة الصحة لوضع تسعيرة جبرية للخدمة الطبية يدخل في بند الشو الإعلامي، وأن تسعير الخدمات الطبية غير دستوري، وأنه يمثل إجبارا علي تقديم خدمة بسعر محدد، وأن النقابة اقترحت منشورا يقدم جداول بالأسعار الاسترشادية!
ولا أعرف متي كانت حماية المريض وتيسير امكانات العلاج المحترم الإنساني له وسط الظروف الاقتصادية ولغة القسوة، وتزايد نسب الفقر، ونزول أغلب الطبقة المتوسطة تحت خطوطه ناهيك عن نسب انتشار أخطر الأمراض والتلوث البيئي أمر يرفضه الدستور ?!
لا أري توصيفا أدق بما وصلت إليه أحوال الطب من رؤية وتشخيص أستاذ طب وعالم كبير هو الدكتور صلاح الغزالي حرب الذي بح صوته ورسائله في تحليل أزمة الصحة ومقترحات العلاج وأحدثها جاء في رسالة نشرها بريد الأهرام 1/8/2017.
«ذهبت طبيبة شابة إلي أستاذ الجراحة تشكو من آلام بالثدي وتم تشخيص حالتها بخراج أكده تشخيص الموجات الصوتية وبعد إجراء الجراحة بأسبوع واحد عاودتها الآلام مع إحساسها بشئ غير طبيعي بالثدي فأعاد الطبيب فتح الخراج في عيادته الخاصة وأخبرها أن كل شئ تمام وبعد ما يقرب من شهرين زادت الآلام وشعرت بورم بالثدي فذهبت إلي أستاذ آخر في الأورام فطلب منها اشاعة رنين مغناطيسي أفاد بأنه في الأغلب ورم حميد، وتم استئصاله ومع استمرار الآلام وتحليل الورم تبين انه ورم خبيث انتشر من الثدي إلي الغدد الليمفاوية وتم الاستئصال الكلي، وخضعت الطبيبة لمراحل العلاج منذ أيام قليلة« وهذه القصة تكررت بكل أسف عدة مرات مع اختلاف في بعض التفاصيل وهي تثير قضيتين مهمتين متعلقتين بالممارسة الطبية في مصر وفي الآونة الأخيرة، الأولي هي الثقة الزائدة لدي بعض الأطباء والتي تمنعهم من اتباع المعايير الأولية المتعارف عليها في الكشف الطبي والفحص الدقيق ووضع كل الاحتمالات، والثانية تتعلق بالمعامل الطبية ومراكز الأشعة والتي في بعض الحالات تفتقد الدقة المطلوبة والأمانة في الفحص مما يؤدي إلي عواقب وخيمة لذلك فمن المحتم وضع بروتوكولات العلاج والتشخيص للأمراض المزمنة والخطيرة بما يتوافق مع المعايير العلمية الحديثة في جميع المستشفيات العامة والخاصة وأقسام الاستقبال بحيث يعرف المريض ما سوف يتم من إجراءات، ومن ناحية لابد من محاسبة كل طبيب يقصر في الالتزام بهذه البروتوكولات بأي شكل وتوقيع أقصي العقوبات في حالة حدوث مضاعفات نتيجة عدم الالتزام بها، وضرورة تعميم التعليم الطبي المستمر مع جميع الأطباء، وتجديد تراخيص مزاولة المهنة كل فترة زمنية معينة للتأكد من متابعة الطبيب للمستجدات الحديثة في تخصصه الطبي ومراجعة التراخيص الطبية للعاملين في معامل التحاليل ومراكز الأشعة والتأكد من صلاحية الأجهزة والمواد المستخدمة وصلاحية القائمين علي العمل في هذه المراكز فهناك الكثير من الكوارث التي ترتكبها في غيبة الرقابة، وتكثيف الإعلام الطبي الصحيح وليس الإعلان المدفوع الأجر الذي نشاهده في معظم قنواتنا.
أين النقابة والوزارة من مواجهات جادة وإجراءات وقرارات توقف وتعالج التراجع والانهيار رغم التصريحات البراقة التي يكذبها الواقع تماما، وأين ما أعلنه وزير الصحة أمام الرئيس في مؤتمر الشباب بالاسكندرية عندما أكد ان قانون التأمين الصحي تم الانتهاء منه وسيظهر خلال أسبوعين ـ أرجو العودة إلي تصريحات الوزير في جلسة رؤية مصر 2030 ـ ماذا تم حتي الآن وهل سيطبق بآليات وسياسات وافتقاد اللوائح الحاكمة والمنظمة لحقوق جميع شركاء العملية الصحية وفي المستشفيات والوحدات الصحية السابق الإشارة إلي أحوال بعضها والمسئولين الذين وصلت بين أيديهم الأحوال الصحية إلي ما وصلت إليه.
ويتبقي سؤال مهم لماذا كلما مرض أو توعك وعكة خفيفة مسئول أو صاحب سلطة أو ثروة طار إلي الخارج للعلاج، هل ما لدينا من طب لا يليق بالكبار والقادرين؟!.