الجمهورية
صلاح الحفناوى
رجع الصدي .. "شعبولا".. والخلل الجيني
أعترف وأنا بكامل قواي العقلية.. أنني سهرت مع أغاني شعبان عبدالرحيم.. وأنني توجهت إلي أحد محال الكاسيت.. واشتريت 3 أشرطة من تعبئة النجم المعجزة.. وكنت أتمني شراء المزيد ولكن للأسف لم أجد غيرها.. فشعبان كما قال لي البائع: مكسر الدنيا.. وشرايطه تباع في السوق السوداء جداً.
علي الرغم من أن العلاقة بيني وبين صوت "شعبولا" ليست علاقة مودة.. إلا أنني عاهدت نفسي ألا أفشي هذا السر الخطير أمام أي إنسان.. حتي لا أتهم بالتعالي علي الثقافة الشعبية.. وباضطراب الحاسة التذوقية للنغم الفولكلوري.. ولذلك سارعت إلي البحث عن شرائطه بمجرد أن علمت أن رفيقي في رحلة سفر طارئة.. يحب "البخات" الغنائية الشعبانية.. وأنه بحسب تعبيره.. مدمن شعبان.. ولما كان هذا الرفيق هو الزعيم الذي يجب أن يطاع طوال الرحلة.. فقد اشتريت له الشرائط وأدرت له جهاز التسجيل وشاركته متعة الاستماع القهري.. بل وأخذت أردد كلمات الأغاني وأطلق صيحات الاستحسان مع كل أغنية من نوع "أنا أحسن فسحة عندي النوم علي السطوح".
كان رفيقي في رحلة السفر هو سائق السيارة البيجو التي أقلتني من القاهرة إلي الإسكندرية في وقت متأخر من الليل.. وسيارات الأجرة من هذا النوع بالذات ترتبط في الأذهان بذكريات غير سارة.. فالسائق في الغالب يدير السيارة وينطلق بها ثم يستسلم للنوم حتي يوقظه الجالس إلي جواره أو يستيقظ في المستشفي إن كان في عمره بقية.. وكان شعبان عبدالرحيم هو طوق النجاة الذي تعلقت به.. فطوال الطريق كان السائق يتمايل ويتراقص طربًا.. والتمايل أرحم بكثير من النوم أثناء القيادة.
الرحلة التي استمرت حوالي 4 ساعات علي الطريق الزراعي أتاحت لي فرصة ذهبية للاستماع إلي هذا المطرب الظاهرة لعدة ساعات متصلة لأول مرة.. ولم يعكر عليّ صفو الرحلة الممتعة سوي ذلك الهاجس الذي سيطر عليّ.. وهو أنني إنسان غير طبيعي.. وأنني لا أملك أذنا موسيقية.. وأنني أنتمي إلي زمن أفل وزال.. فليس معقولاً أن يكون ملايين المعجبين بفن شعبان عبدالرحيم علي خطأ وأنا وحدي علي صواب.. صحيح أن صوته نشاز وأن موسيقي أغانيه أشبه بقرع أواني المطبخ وأن الكلمات لا علاقة لها بالشعر أو بالزجل أو حتي بالنثر.. مثل قوله "ح أبطل سجاير من أول يناير وأشتري قميص جديد من بورسعيد وألعب حديد" وغيره مما لا أذكره.. ولكن هذا النشاز يجتذب الملايين.. فهل أعاني من خلل في جيناتي الوراثية.. أم أنني أصبحت غير قادر علي مجاراة الموضة الغنائية الشعبانية.. أعتقد أنني أعاني من الاثنين معًا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف