اللواء عبد الحميد خيرت
ما بعد الانتصار على الإرهاب.. أسئلة لا بدَّ منها
من تحرير الموصل، وما يتبعه من تقلص واضح للجماعات الإرهابية فى سوريا، وتصاعد لنفوذ الجيش الوطنى فى ليبيا على الميليشيات التكفيرية، مرورا بانحسار الإرهاب فى شمال سيناء، إلى التقلص الأكيد فى الدور القطرى بالمنطقة وما يجرى حاليا من عملية تضييق الخناق على رعايته لتنظيمات الخوارج بالدول الوطنية، صورتان متلازمتان ومتناقضتان فى ذات الوقت. التلازم يأتى فى تراجع حصص التمويل والإمداد والاحتضان للجماعات الإرهابية فى عالمنا العربى برعاية قطرية وتركية، وهى سارَّة بالتأكيد لنا جميعا، بينما التناقض يأتى فى الوجه الآخر من الصورة، وباعتقادى أنه مظلمٌ وقاتم.
وهو ذلك المتمثل فى حواضن الإرهاب الخفية والتى هى باعتقادى تمثل الاختبار الجدى للدول، ومدى نجاحها أو فشلها فى تعقب الذيول الفكرية والتنظيمية لهذه الجماعات، وهو الأمر أيضا الذى يجعل مسارات الصراع المتوازية بين الدول الوطنية وجماعات العنف والتنظير للتكفير ساحة مواجهة واقعية ومحتومة. وإذا كان هناك محللون، اعترفوا مؤخرا بوجود ثلاثة أنواع من المؤامرات تواجه عالمنا العربى، سياسية ودينية واجتماعية، وكلها تتقاطع فى النهاية لتشكل اختبارا جوهريا لمنظومتنا العربية، وقدرتها على تفكيك هذه الأنواع، خاصة مع بروز وصعود القوى والتنظيمات المسمّاة فى عالم السياسة «القوى غير الدولتية» (Non State Actors)- كما وصفها الكاتب اللبنانى ميشال أبى نجم- أو «الميليشيات»، كما نعرفها، والتى تسعى للانقضاض على وظائف الدولة واحتكار العنف والتصنيف، والتواطؤ مع قوى خارجية وأجنبية لتحقيق ذلك، وهو المشهد الذى عانت وتعانى منه المنطقة بعد مرحلة ما عُرف بـ«الربيع العربى».
وتجلت مظاهر «الربيع العربى» فى محاولات إسقاط الدولة الوطنية، وتصاعد العصبيات المذهبية والطائفية التى تريد فرض مشاريعها الخاصة، إما عبر حلول تقسيمية أو من خلال الإقصاء والهيمنة. الآن ومع ما يتراءى لنا من بوادر شبه إجماع دولى على مواجهة الإرهاب، مع إشارات جدية بانحساره أو تحجيم نفوذه، يكون السؤال: وماذا بعد؟ هل يتم الاستمرار فى نفس الأخطاء القديمة، والسماح بنشوء حواضن فكرية أخرى، لا نعلم مدى تأثيرها؟ أم نحاول باستراتيجية محددة الانتقال من محاربة الإرهاب، إلى مواجهته، ومن ثم إلى إعلاء الرافعة الوطنية فى مشروع متكامل، يتعلم من أخطاء الماضى، ولا يسمح ببذور الوحوش التكفيرية بكافة أشكالها التى تبحث عن ملاذات آمنة وحواضن داخلية آمنة، من خلال اللعب على المشاكل الاجتماعية، وتكون أساسًا للمؤامرة، ليس السياسية أو الاجتماعية ولكن المؤامرة على الدين أيضا.
ما يُعرف بـ«تحدى البندقية فى مرحلة ما بعد الانتصار على الإرهاب» هو ما يحتاج منا لإجابة، تهدف لتحقيق الاستقرار الفعلى والأمن المجتمعى، فى مواجهة «عدوٍّ» أشد خطورة وهو الفساد، وضعف الاقتصاد وهو ما يؤثر على «جيب» المواطن، ومن ثمَّ ضمانه المعيشى، والذى من الممكن أن يتحول فى لحظة غفلة إلى ما هو أشنع، يضع تسعيرة الإنسان فى مجرد «زجاجة زيت وكيلو سكر»!. برأيى هذا هو الامتحان الأصعب الذى تواجهه الدولة المصرية، ومعها كل العواصم الأخرى المماثلة التى باتت مكشوفة فى مرحلة ما أمام شعارات لعبت على هذا الوتر وسمحت بتغلغل أفكار الإرهاب التى كمنت طويلا.. وكانت أيضا أزمتنا جميعا.