محمود سلطان
الإسلاميون والتعديل الدستوري والترشح للرئاسة !!
دعيت لحضور ندوة عقدت مساء الجمعة 7/1/2005 بالقاهرة، بمبادرة من مجموعة من المثقفين الإسلاميين، لم يحدد لها أجندة مسبقة، غير أن أحداث "الشغب الطائفي"، الذي شهدته الكاتدرائية المرقسية للأقباط الأرثوذكس، بالعباسية وسط القاهرة، آنذاك ، عقب انتشار "شائعة" إشهار زوجة قس قبطي إسلامها، فرضت نفسها على الموضوع الرئيسي للندوة.
كان من بين الحاضرين، شخصية إسلامية وحزبية وفكرية كبيرة، ويعد واحدا من أكثر معارضي نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك تشددا، سيما فيما يتعلق بعمليتي "التجديد الرئاسي" أو فيما اعتقد بأنها سيناريوهات لـ "توريث للسلطة" متوقع إقرارها مستقبلا.
لم أستطع منع نفسي من توجيه سؤال له، رغم أنه كان خارج السياق العام للندوة "علاقة الكنيسة المصرية بالدولة"، إذ سألته لماذا لا يبادر الإسلاميون باتخاذ خطوة مشابهة، لما أقدم عليه آنذاك مثقفان: سعد الدين إبراهيم، ونوال السعداوي، ورجل الأعمال محمد فريد حسنين، للترشيح لرئاسة الجمهورية؟!
أعلم أن هذه الخطوة ليس لها أي نفع على صعيد منافسة مبارك على مقعد الرئاسة، سواء قبل الاقتراحات التي تقدم بها مبارك يوم 27/2/2005 لمجلسي الشعب والشورى لتعديل المادة 76 الخاصة بطريقة اختيار الرئيس أو بعد إجازة هذه التعديلات: ففي الأولى يشترط الدستور المصري تسمية ثلث أعضاء مجلس الشعب "البرلمان" اسم المرشح، وموافقة الثلثين الباقيين، تمهيدا لعرضه على استفتاء عام، وفي الثانية -التعديلات المقترحة- باتت القيود أكثر تشددا، إذ امتدت لتشمل موافقة المجالس المنتخبة: البرلمان، الشورى والمجالس المحلية!!
وهي شروط -في هذه أو في تلك- بعيدة المنال على أي مصري يرغب في الدخول إلى هذا المعترك، خاصة وأن الحزب الوطني الذي يرأسه مبارك، كان يحكم قبضته الحديدية على مقاليد اتخاذ القرار داخل المجالس الثلاثة، فضلا عما يفرضه "النظام الرئاسي" -في أية دولة- من هيمنة على كل المؤسسات والأجهزة بها: إما هيمنة "قانونية" أو أخرى "عرفية" تعتمد على الولاء والطاعة.
ومع ذلك فإن الخطوة التي أقدموا عليها قبل إعلان مبارك عن اقتراحاته بتعديل الدستور اعتبرت في حينها وكما قال أصحابها، ذا "فوائد رمزية"، إذ كانت تناقش علانية وحتى ذلك الحين موضوعات كانت من "الحرام السياسي" تورد من يلج إليها موارد التهلكة، بل إنها تجاوزت النقاش والفكرة والمشورة، لتشتبك سلميا مع النظام في الشارع.
بالتأكيد كان هذا التحرك مآله الفشل، ليس بسبب "الكسل السياسي" الذي أصاب الكل في مصر في ذلك الوقت، ولكن بسبب أن معظم من تقدموا للترشيح، شخصيات مثيرة للجدل، ينظر إليها المصريون إما نظرة "شك" وإما باعتبارها من قبيل "طلب الشهرة".
فالسعداوي طبيبة وروائية لا تتورع عن المجاهرة بأفكارها الاجتماعية المسرفة إلى حد "الاستفزاز" في تحررها، وإبراهيم مزدوج الجنسية، يحمل الجنسية الأمريكية إلى جانب احتفاظه بالجنسية المصرية، فضلا عن مواقفه المثيرة بشأن التطبيع مع الكيان العبري، والمشروع الأمريكي بالعراق والعالم العربي، والأجندة السياسية للكنيسة المصرية ومطالبها التي يعتبرها البعض "مطالب طائفية"، وفريد حسنين يعتبره قطاع من الرأي العام أنه يميل إلى "المظهرية السياسية" في إطار البحث عن "دور وطني"، وهو الاعتقاد الذي ساد عقب إقدامه على تقديم استقالته من مجلس الشعب في إبريل من عام 2004، متعللا بـ"أنه أصابه اليأس من الإصلاح الذي لا يجيء".
واللافت هنا أن الثلاثة ينتمون روحيا إلى التيارين الليبرالي والماركسي، فيما يتشكل التوافق الوطني، الذي كان يتبنى -قبل أن يتنازل عن ذلك فيما بعد- مشروعا لتغيير الدستور، على النحو الذي يقلص من سلطات الرئيس الجمهورية، ويتيح اختياره من بين أكثر من مرشح وعبر انتخابات عامة وليس استفتاء صوريا وشكليا، وتشكل التوافق من أحزاب: الوفد والتجمع اليساري، الناصري والشيوعيين، إلى جانب مجموعة الأحزاب الهامشية التي رخصت لها الحكومة مؤخرا.
هذا على أقل تقدير بدا إعلاميا وكأن الإسلاميين خارج النسق السياسي المصري الداعي إلى الإصلاح. خاصة وأن الإخوان المسلمين وعلى لسان مرشدهم آنذاك محمد مهدي عاكف، أيدوا الحزب الوطني الحاكم في رؤيته الداعية إلى الإبقاء على الدستور الحالي، بدعوى أنه ينص على أن الشريعة الإسلامية مصدر من مصادر التشريع، وهو ما اعتبره عاكف مكسبا، يمكن أن يخسره الإسلاميون حال انعقاد العزم على تغيير الدستور في الظروف الدولية التي كانت سائدة .. فيما اعتبر عاكف الرئيس مبارك وليا للأمر يجب طاعته، في تصريح اعتبرته المعارضة في حينها موافقة الإخوان على التجديد للرئيس مبارك، وما يتضمنه ذلك من دلالات على مساندة الإخوان لميراث "احتكار السلطة" في مصر.
وفي هذا الإطار فإنه لم يقع النظر على خبر أو تقرير أو تعليق بالصحف المصرية أو العربية يتعلق بالإصلاح إلا وكان المنافح عن الديمقراطية والإصلاح و حق الأمة في اختيار رئيس منتخب، لا "مستفتى عليه"، أسماء تكاد تكون واحدة ومكررة: حسين عبد الرازق، رفعت السعيد وحافظ أبو سعدة مثلا. فيما تغيب أسماء الإسلاميين سيما من أكبر جماعة إسلامية في مصر، تزعم بأنها تملك "مشروع دولة" وهي جماعة الإخوان المسلمين.
هذا الغياب ربما كان مقصودا، ولكن تصريحات المرشد كانت مقلقة، وتنفي احتمال التغييب القسري فيما لمس حضورا بشكل أو بآخر لإسلاميين آخرين مستقلين أو بأحزاب إسلامية صغيرة: الوسط، الشريعة والإصلاح رفض النظام في مصر التصريح لها، ولكن لصغرها بدت أصواتها بعيدة وباهتة.
هذا المشهد في جملته وضع الإسلاميين في الصفوف الخلفية في هوجة الدعوات إلى الإصلاح في مصر، فيما تصدر الصفوف والمنصات كل القوى الأخرى التي على خلاف سياسي وأيديولوجي مع الإسلاميين.
قال لي صديقي المفكر والسياسي والحزبي الكبير، ونحن نهم بالانصراف في نهاية الندوة، أنه عرض على شخصيات تحسب على التيار الإسلامي، فكرة الترشيح، غير أنهم تذرعوا بالمرض وعدم القدرة على خوض معركة كبيرة بهذا الحجم!!.
وهو تذرع كان مثيرا حقا للاستغراب إن لم يكن "هروبا" من العرض، إذ إن سعد الدين إبراهيم مسن، وأعلم أنه يشكو من جملة أمراض تهد جبلا، ومثله نوال السعداوي، ومع ذلك تغلبا على المرض والشيخوخة وأقدما على ما لم يقدم عليه شباب الحركة الإسلامية وفتيانها!!
حينئذ تذكرت سؤالا سأله لي الداعية إسلامي شهير.. قائلا وقد اعتصرته الحسرة: لماذا لا يوجد بين الإسلاميين سيدة في قوة ومكانة نوال السعداوي، و شاعر مثل عبد الرحمن الأبنودي أو أحمد فؤاد نجم؟! سؤال بسيط ومباشر ولكنه يختزل تفاصيل الأزمة داخل التيار الإسلامي المصري، لا يختزلها في بعدها السياسي وحسب، وإنما في غياب لغة يفهمها مجتمع مقبل على مشاكل، لا قبل له بها من قبل.