المصريون
اسماعيل حلمد
الإسلام ومفهوم المواطنة
يشكك البعض من ذوي القلوب المريضة في حقيقة أن الإسلام يقبل الآخر، ويتعايش معه، حتى لو كان يعتنق عقيدة تخالف ما يؤمن به.
وهو تأويل مغرض يجب على من يدعيه أن يراجع نفسه وأفكاره، إن كان لديه شيء من الموضوعية، واحترام الذات.. فالإسلام يقوم على حقيقة المواطنة والقبول بالآخر.
ولدينا من النصوص الشرعية ما تؤكد هذه الفكرة وتعضدها، واللافت أن كثرة النصوص في هذا الصدد من الوفرة بما لا يوجد معه تأويل فاسد، أو طرح ملتوي يلوي المتن الشرعي.
فالعديد من النصوص القرآنية، وكذلك الأحاديث النبوية الصحيحة، وما ورد في السيرة النبوية الصحيحة من أحداث وأخبار تؤكد على وجود فكرة المواطنة بقوة في العقيدة الإسلامية، وأنها طبقت بالفعل أيام النبي صلى الله عليه وسلم ومن تولى بعده من الصحابة رضي الله عنهم.
ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر قول الله تعالى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وقوله تعالى: (لكم دينكم ولي دين). وقوله: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن).
وفي الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: (من أذى ذميا فأنا خصيمه يوم القيامة). وفي السيرة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة كان من أول ما فعل هناك أنه أعطى اليهود المقيمين بالمدينة عهد أمان، وان لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين.
وكانت أعداد كبيرة من اليهود يقيمون بالمدينة مع هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يسكنون أحياء بها منها: حي بني قريظة، وبني النضير، وبني قينقاع، وبني المصطلق، ويهود خيبر ، ويهود فدك. وظل هؤلاء يقيمون بالمدينة، ويتعامل معهم المسلمون كمواطنين في دولة الإسلام الناشئة حتى غدروا بالنبي، وتآمروا عليه مع أعدائه من صناديد قريش.. ولهذا عاقبهم النبي صلى الله عليه وسلم، وطردهم من المدينة.
أي انه لولا غدر اليهود وتآمرهم على المسلمين لبقى اليهود بالمدينة ربما حتى يومنا هذا. وهو ما يؤكد رسوخ فكرة المواطنة بقوة في العقيدة الإسلامية، وأنها ليست شعارات جوفاء يطنطن بها البعض ذرا للرماد في العيون.
فالإسلام يدعو إلى دولة مدنية تحترم كل مواطن بها مهما كانت عقيدته، ولا يدعو الإسلام قط إلى دولة دينية تقوم على إعطاء الكهنة أو العلماء كما في بعض الديانات الأخرى الحق الإلهي، وتجعل من الكاهن أو الحاخام نائبا عن الله، أو ممثلا له في الأرض.
فهذه أفكار غير موجودة في الإسلام، وتخالف أبسط مبادئ هذا الدين الحنيف. فالشيخ أو العالم في الإسلام ليس له إلا نصيحة أخيه المسلم ، وليست له ولاية، ولا حكم عليه، ولا سلطة دينية البتة للعالم في الإسلام، إنما الدين النصيحة فحسب.
وحتى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خير الخلق وسيدهم، وخاتم الأنبياء وأعظمهم فالله يقول له: (إنما انت مذكر لست عليهم بمسيطر) .
فإذا كان هذا حال النبي في الإسلام، فما بال الشيوخ وعلماء الأمة. وعلى هذا فإن المواطنة فكرة رصينة وراسخة في الإسلام، ومن غير المقبول الزعم بغير ذلك، حتى لو قال ذلك واحد من علماء المسلمين، فقوله ليس حجة على الناس، بل هو رأي يأخذ به من يريد.
لكن دون أن يفرض فكرته أو يكون وصيا على عموم المسلمين، لأن ذلك أمرا غير مقبول في ديننا. وإن كان الشيعة يقيمون دولة دينية، يتمتع فيها المعممون بسلطات الهية ، وان مرشد الشيعة هو ممثل الإمام المختفي في السرداب في غيبته، والإمام ذاته هو ينوب عن الله تعالى في الأرض.. فهذا المعتقد الفاسد ليس من الإسلام في شئ. وهذا مروق عن صحيح الدين ومبادئه التي لا تعطي لأي شخص سلطات إلهية مهما علا قدره، وحتى لو كان النبي ذاته.
أما اليهود فإنهم يدعون يهودية أرض فلسطين، وأنها أرض الشعب اليهودي، وهي دعوة عنصرية وفاسدة ، تقوم على فكرة الدولة الدينية، وإنكار حقوق الشعب الفلسطيني، وطردهم من أرضهم.
وعلى هذا فإن فكرة المواطنة يقرها الإسلام، ويحافظ عليها، لأنها تساعد على استقرار الأمم ، ونشر المحبة والسلام ، وعمران الأرض الذي هو من دواعي وجود الإنسان...
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف