الأهرام
محمد مصطفى حافظ
قطارات الموت.. إلي متي ؟!
على نبأ وقوع مأساة إنسانية نستيقظ دوماً بحادث مروع متكرر لقطار يروح ضحيته كالعادة غلابة المصريين ، صورة كربونية لمسلسل حوادث الإهمال لمرفق السكك الحديد ، دماء مؤخراً سالت هدرا بين ضحايا أشلاء ٤٣ مصري بلا ذنب و١٣٣ مصاب جراء تصادم قطارين علي خط القاهرة الإسكندرية بمنطقة خورشيد بمحافظة الإسكندرية ، وعند تبرير المأساة نسمع أسباب لا تحصى من التقصير وفشل الإدارة وغياب الأولويات تخلف أسئلة أكثر من أجوبة محيرة لا تزال معلقة في أذهان الكثيرين ، تجعلنا نصرخ إلي متي تسيل الدماء الذكية بلا محاسبة جادة ؟.
بعد نفس التصريحات بضرورة معرفة أوجه القصور وتحديد المسئول وصلاحية القضبان والإشارات الضوئية واستجواب سائق القطار ومساعده وفحص الصندوق الأسود مع تشكيل لجان فنية لتقييم الصيانة واحتياجات البنية الأساسية ، ومتابعة حكومية وصرف تعويضات وانفعالات برلمانية لاستجواب وزير النقل وكبش فداء باستقالة ، تتوالي المبررات لجرائم تستوجب عقوبة سبق الإصرار والترصد للمسئول وتحويله لمحاكمة عاجلة أيا كان موقعه ، وليس اعتماداً علي الذاكرة السمكية فلا نري حلولا لوقف نزيف دماء لازال مستمراً ، سوي أقوال شجب وحزن جراء مشاهد مروعة في أزمنة وجيزة نتيجة عدم وضع الحكومة أولوية وقف هذه المهزلة بإنقاذ مرفق السكة الحديد وتطوير بنيتها الأساسية المتهالكة منذ عقود وتقليل الاعتماد علي العنصر البشري وإدخال نظم الإشارات الكهربائية ومراجعة منظومة الجودة بورش الصيانة للتأكد من عدم تسيير أي قطار إلا بعد التأكد التام من سلامته الفنية بما يحقق السلامة والأمان المفقود لركابين القطارات في هذا المرفق الحيوي الذي يستوعب أعداد كبيرة يوميًا .
المثير للاستهجان ما أظهرته حادثة تصادم القطارين من مشاهد سلبية علي كافة مستويات الإدارة فكيف لقطار "بورسعيد - الإسكندرية" يتوقف لمدة تصل لساعة كاملة دون إبلاغ وتنبيه أو أشارات ضوئية أو تحويل السكة أو إبلاغ القطار القادم حتى يرى من مسافة بعيدة القطار المتوقف ، فهل يجوز لدولة مثل مصر تملك أقدم سكة حديد في العالم و بأجهزتها لا تعلم مكان قطار يحمل آلاف البشر حتى يأتي قطار آخر علي نفس الخط قادم من "القاهرة - الإسكندرية " ليصطدم بمؤخرته ويتسبب بتدمير أكثرمن ٥ عربات بالقطارين وجرار، إلا من مبرر أشد غيظا وكالعادة جاء التقرير المبدئي للحادث بإدانة سائق القطار المتعطل وعاملي برج الإشارة في أبيس وخورشيد دون توجيه أي اتهامات لمسئولين كبار في السكة الحديد.

ومما يزد من الغضب تأخر عربات الإسعاف لأكثر من ساعة ونصف لحادث بالضخامة هذه سوي الإهمال والتراخي والوهن للعديد من أجهزة الدولة الخدمية ، ولولا تدخل أهالي قرية خورشيد الذين لهم كل التحية والتقدير وللقرى المجاورة لإنقاذهم المصابين وتغطية المتوفين ونقلهم بعربات خاصة للمستشفيات بكفر الدوار والإسكندرية، غير صورة أكثر قتامه من أثنين مسعفين يأخذوا سيلفي لهما بمكان الحادث حيث الدمار ورائحة الدماء الذكية علي القضبان لم تبرد بعد والمصابين بالزراعات المجاورة .

لاشك أن تكرار ظاهرة حوادث القطارات نتيجة لتدني مستوي هيئة السكة الحديد خلال السنوات الأخيرة حتى وصلت إلي ٤٤ حادثة ومما يؤكد الاستهانة بالأرواح من الأبرياء لا تقدر بثمن ، و يؤكد أن هناك خللا يستوجب إطلاق مشروع قومي لإعادة هيكلة هذا القطاع الحيوي وتوفير الموارد المالية الواجبة والملحة لتطوير الشبكةبالكامل علي مستوي الجمهورية في مدة زمنية محددة ، خاصة أن الهيئة بوضعها الحالي مكبلة بالمديونيات مثل العديد من الهيئات الاقتصادية الخاسرة تحمل الموازنة العامة للدولة أعباء مالية سنوية دون جدوى تذكر ، فضلاً عن قلة حيلتها لوضع خطط للإصلاح مما يعني أن مسلسل قطارات الموت سيظل عرضاً مستمراً وعداد الضحايا لن يتوقف .. إلا أن نتأخذ إجراءات التطوير فورا و تصبح هيئة السكة الحديد مستقلة تتبع رئاسة الجمهورية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف