الوطن
هانى لبيب
شيوخ استيراد
ضمن ما أصاب المجتمع المصرى منذ سنوات طويلة، التراجع الحاد والملحوظ للشخصية المصرية فى العديد من المجالات الفنية والثقافية والرياضية والدينية.. رغم أن المؤسسات المصرية كانت لها الريادة بين دول المنطقة ودول العالم.

دائماً ما تأتى المقارنة لصالح الماضى.. رغم كل التحديات والصعوبات التى طرأت على المجتمع المصرى، ورغم كل التحالفات والتوجهات، فالماضى له سياقه، وكل من الحاضر والمستقبل له توازناته. وكان التراجع الحقيقى للعقلية المصرية فى تسامحها وتعددها وقبولها للاختلاف والتنوع واحترام المرأة فى المجتمع.

كان الأزهر الشريف هو منارة الشيوخ والمقرئين، ليس فقط على مستوى مصر والدول العربية، بل أيضاً على مستوى دول العالم. وكان لشيوخ مصر ومقرئيها مكانة علمية ودينية، وكان الأزهر من أهم مؤسسات قوة مصر الناعمة التى علمت العديد من قادة العالم ورموزه الفكرية والدينية.. فظهر من الشيوخ محمد عبده وعبدالمتعال الصعيدى ومحمد مصطفى المراغى ومحمد حمدى زقزوق، كما ظهر من المقرئين الشيخ محمد رفعت والشيخ عبدالباسط عبدالصمد.

كانت هذه القوة الناعمة هى الرصيد الدينى والثقافى الذى تآكل تدريجياً على مر السنوات لصالح شيوخ غير مصريين اخترقوا المجتمع المصرى، سواء بوجودهم شخصياً، أو من خلال الفضائيات والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى، لصالح توجهات دولهم من جهة، أو من خلال مقرئين لا علاقة لهم بتجويد القرآن الكريم من جهة أخرى، فضلاً عن صراخهم وبكائهم الذى يبعد كل البعد عن أدبيات سماع القرآن الكريم.

وتزامن مع ذلك ظهور فضائيات الفوضى، مثل قناة الجزيرة تحديداً، التى أدخلت أسلوب الخلاف فى الحوار لدرجة التجاوز بالسب والقذف والتراشق باعتباره منهجاً منظماً لحالة الفوضى المنتظرة. وخلال تلك الحالة الإعلامية تم ترسيخ لهجة خاصة للحوار باللغة العربية على قناة الجزيرة. وهى اللغة التى حاول العديد من الإعلاميين انتهاجها باعتبارها نموذجاً للإعلام الحديث والمتطور. لا أستطيع أن أفهم أو أبرر لبعض المذيعين ومقدمى البرامج هذا الأسلوب فى الحديث بلهجة قناة الجزيرة وتعطيش «الجيم» بهذا الشكل «المستفز» وغير المقبول فى المجتمع المصرى.

وقد استطاع بعض هؤلاء المذيعين والإعلاميين الترويج لهذه اللهجة من خلال الارتباط الوجدانى بينهم وبين المشاهدين والمتابعين، على اعتبار أن الإعلام هو إحدى الوسائل الرئيسية فى تشكيل الوعى المجتمعى، خاصة أن الإعلام المرئى له القدرة على جذب الانتباه وتوجيه الرأى العام، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وهو ما يُعد مع مرور الوقت تغييراً للعقلية المصرية.

نقطة ومن أول السطر

عودة الشيوخ والمقرئين المصريين للقيام بدورهم، وعودة لغتنا المصرية الجميلة لوسائل الإعلام؛ تُعتبر نوعاً من عودة الوعى، وعودة الفكر والثقافة، بعيداً عن الترويج للأفكار المتشددة والمتطرفة التى هبطت علينا منذ الستينات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف