الدستور
ماجد حبته
ما بعد الغناء لـ«برج الحوت»!
بعد أن سهر الخلق جرّاها واختصموا، خرج الملحن عمرو مصطفى ليقول إن زوجته، «العزيزة»، عشرة عمره وشريكة نجاحه، من مواليد «برج الحوت»، موضحًا: «أظن الرسالة وصلت»، ومضيفًا: «مفيش أغنية في العالم بتوصل غير لما تكون صادقة. الكلمات صدرت من الشاعر (تركي آل شيخ) صادقة ووصلتني ولحنتها بصدق ووصلت (لعمرو دياب) فغناها بصدق فنجحت بصدق.. هي دي الحكاية».

الرسالة التي ظن ملحن أغنية «يا أجمل عيون» أنها وصلت، هي قطعًا نفي أن تكون الأغنية تستهدف واحدة بعينها، من مواليد البرج نفسه، كما استنتج ١٢٠٪ من المعنيين وغير المعنيين بالأمر، وكما أراد لهم من كتب ولحن وغنى أن يستنتجوا، وهم يضعون «معادلة»، لا أعتقد أن الصدق كان حاضرًا فيها على الإطلاق: معادلة إحداث «فرقعة»، التي يصعب تصديق أن من شاركوا في اللعبة أو في صياغة تلك المعادلة وفى تحقيقها، توقعوا أن يصل الأمر حد الهجوم بهذا الشكل الانتقامي من «الواحدة بعينها» التي استنتجها الـ١٢٠٪ أو أريد لهم أن يستنتجوها. وربما خفف من وطأة وقسوة ردود الأفعال وجود طيبين قاموا بإعادة تأليف أو بـ«تأييف» كلمات الأغنية، لتناسب كل الأبراج، وكأنهم أرادوا أن يجعلوا نجمهم المفضل، رغمًا عنه، يبادلهم حبًا بحب!.

لا وجود لأي صدق أو شعرية أو شاعرية أو «poetics»، ولا أثر لأي صورة أو خيال أو عاطفة، تقوم العلاقات بينها على رؤية (Idealism) في نص أو كلمات أغنية «يا أجمل عيون» إحدى الأغنيات العشر التي تضمنها ألبوم عمرو دياب الجديد «معدّي الناس»: «يا أجمل عيون وأغلى عيون.. صحيتي ليل العاشقين.. صحّيتي الشوق من غير ميعاد.. وسافرتي ليه آخر البلاد.. والله باحبك موت وأحب برج الحوت.. وأعشق تفاصيلك، ضحك وبكا وسكوت.. لأنك الدنيا.. واللى يفوت يفوت».. وتوت.. توت.. توت!.

إقحام «برج الحوت» واضح، وصعب أن تجد في تلك الكلمات، وما تلاها، أي إشارات لغوية، ذات دلالات قريبة أو بعيدة، حقيقية أو مجازية، حسية أو مجردة. لن تجد غير معادلة إحداث «الفرقعة» التي ربما كان هدفها الدعاية لألبوم عمرو دياب الجديد، لكن المؤكد هو أن كون زوجة ملحن الأغنية من مواليد البرج نفسه لم يكن صدفة، وإنما احتمال قائم ومتحقق. بالضبط كما هو وارد جدًا، أن تكون زوجة كاتب الكلمات أو ابنته أو زوجة خاله، من مواليد البرج نفسه، وأن يكون عمرو دياب يعرف ١٠٠ على الأقل من مواليد ذلك البرج. ويكفي أن تنظر حولك بدلًا من أصدمك وأحدّثك عن قانون الأعداد الكبيرة (Law Of Truly Large Numbers) ومعضلة عيد الميلاد (Birthday Problem) لتكتشف أن وجود مجموعة من ٤٨ فردًا، يجعل احتمال تشابه تاريخ ميلاد شخصين معًا يساوي ٩٥٪، فما بالك بالمنتمين إلى برج واحد!.

اللافت، هو أن خبراء «الأبراج» لم يفوتوا الفرصة. وغير من يحملون الصفة، لو افترضنا أنها فعلًا صفة وأن الأبراج ـ كما يزعمون ـ علم يحتاج دراسة وتراكمًا وخبرة. غير هؤلاء، اكتشفنا كالعادة أن لدينا ١٢٠ مليون خبير أبراج، بين الـ١٠٠ مليون مصري، ويمكنك أن تضيف إلى كل هؤلاء عدة ملايين في دول عربية أخرى. بل إن هناك ظرفاء (ومشّيها ظرفاء) تطوّعوا وحذروا عمرو دياب من مواليد برج الحوت، زاعمين أن هناك صفات أخرى لهم، توقعوا ألا يكون يعرفها، وأنه لو عرفها، ما كان سيفكَّر في الغناء لذلك البرج أو في الارتباط بأيٍ من مواليده!. وقد تكون تعثّرت أي «تكعبلت» في آخرين، أكثر أو أقل ظرفًا أو سخفًا من هؤلاء!.

مع هؤلاء، نشط آكلو لحوم الأحياء، في الفواصل التي يرتاحون فيها من أكل لحوم الموتى. وعادت إلى صدارة المشهد القضية الجنائية التي أدينت فيها الفتاة، التي استنتجها الـ١٢٠٪ أو أريد لهم أن يستنتجوها. بل إن بعض هؤلاء استندوا إلى الصفات المزعومة لمواليد البرج، لسبّها، تلميحًا أو تلقيحًا، الأمر الذي أراه يدخل في منطقة الـ«هلاوس» والـ«خزعبلات»، وأحيلك إلى مئات بل آلاف الأبحاث التي أثبتت زيف ولا علمية ما يوصف بـ«علم الأبراج» لعل أشهرها تلك الدراسة التي أجراها، سنة ١٩٩٥، باحثون في جامعة «جورج أوجست» على ٢٣٤ توأمًا وأثبتوا أن نسبة تحقق توقعات الأبراج فشلت في تخطّي نسبة الصدفة!.

الأكثر من ذلك، هو أن برجك أو ما تعتقد أنه برجك، لم يعد كذلك. وسبب ذلك هو أن اتجاه محور الأرض يتغير باستمرار، لدوران المحور نفسه دورة كاملة كل ٢٥ ألف و٨٠٠ سنة، وهذا التغير يُسمَّى بـ«المداورة»، ويرجع إلى تأثير قوة جاذبية القمر على الانتفاخ الاستوائي لكوكب الأرض. وعليه، فإن هذا «التغير» أدّى إلى تحرك نقطة التقاطع بين خط الاستواء السماوي ومسار الشمس إلى ٣٦ درجة، وهو ما يعني أن مكان الإشارات التنجيمية قد تحرك عُشر المسافة، أي بما يساوى شهرًا، وبالتالي، انتقل مواليد برج الحوت إلى برج الدلو!.

..ويبقى تفسير ذلك التطابق الذي رأيناه في تناول ملايين للموضوع، ولن أقول لك إنهم ينقلون من مصدر واحد أو تم تكليفهم بتناول الموضوع من زاوية واحدة أو زوايا محددة. وإنما سأستند إلى نظرية «القردة لامتناهية العدد» أو (Infinite Monkey Theorem) التي تقول إن أي مجموعة من القردة (جمع قرد) لو قامت بالكتابة بشكل عشوائي على آلة كاتبة، لمدة غير محدودة، فإنها ستُنتج، وبشكل شبه مؤكد، الأعمال الكاملة لشكسبير، في مرحلة ما!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف