د. مصطفى عبد الرازق
يسألونك عن الحج والأضحية!
لو أننى عالم دين أو لدى من علوم الدين ما يمكننى من الإفتاء، لرددت على من يسألنى عن الحج بقولى إنه فرض على كل مسلم قادر يستطيع إليه سبيلا، فذلك ما قالت به قواعد الإسلام منذ ظهوره، وأضفت إلى ذلك: أن ظروف المسلمين قد تقتضى تقييده أو توسيعه بحسب واقع ومقتضى الحال الذى يعيشونه.
ذلك أن الأحوال المتغيرة التى يمر بها الإنسان ومن بينهم الإنسان المسلم، قد تقتضى نظرة مغايرة للكثير من عباداتهم ومعاملاتهم التى يغلب عليها الثبات على مدى العصور. ومن ذلك على سبيل المثال أنه مع اقتراب أداء مناسك الحج، فإن الملحوظة الأساسية لأى مواطن فى مصر هى ارتفاع تكاليفه هذا العام بشكل غير مسبوق، وهو ما قد يكون عائدا لعدة عوامل على رأسها بالطبع تعويم الجنيه المصرى فى نوفمبر الماضى والتغيرات التى لحقت بالتالى بسعر صرفه فى مقابل الريال السعودى. غير أن الملحوظة الأهم هى أن هذا الارتفاع لم ينعكس فى حجم الاقدام على الحج ما يمكننا من القول بأن الحج يمكن إدراجه وفقا لهذا الوضع ضمن ما يمكن وصفه بمصطحات الاقتصاديين، بالسلع غير المرنة فى الطلب عليها.
على المستوى الشخصى كان من الممكن أن أكون ضمن حجاج هذا الموسم، غير أنى غيرت خططى ورفضت التأشيرة لأسباب عديدة على رأسها فيما يخص موضوع هذا المقال، أننى من المؤمنين بأن من حج مرة يجب عليه، بينه وبين ذاته، العمل على عدم الحج ثانية وترك الفرصة لغيره من المسلمين، إلا لو اضطر للحج لظروف اضطرارية كمرافق لزوجة أو أب أو أم أو غيرها مما لا يمكن التفصيل فيه وحصره فى هذه السطور.
أعرف مشاعر المسلمين تجاه أداء هذه الفريضة حيث يتوق كل مسلم حالما ليل نهار بادائها مهما كانت الصعاب، غير أن الموقف فى واقع مثل واقعنا المصرى يقتضى فى تصورى وقفة على عدة مستويات، قد تتطلب فى تقديرى فتوى او رؤية شرعية من جهة ذات حيثية دينية ويكون لها صداها وصوتها المسموع لدى جموع المسلمين، مؤدى هذه الرؤية تضييق منافذ الحج بما يصب فى صالح المسلمين على مستوى العالم عامة والمسلمين فى مصر بصفة خاصة.
فى السعودية كان هناك قانون لا أدرى هل ما زال يتم تطبيقه أم لا ويقضى بعدم تكرار الحاج للمناسك خلال خمس سنوات، سواء حجاج الداخل أو الخارج. فى مصر يجب تطبيق مثل هذا القانون إذا لم يكن موجودا فمن حج مرة يجب ألا يحج أخرى أو قبل مرور خمس سنوات، والأولوية يجب أن تكون لكبار السن، وغير ذلك من قواعد تضبط أعداد الحجاج وتقضى على حالة الاستغلال البشعة لشعيرة دينية فى ثراء الكثير من تجار هذه الشعيرة إلى الحد الذى أصبح فيه أداء المناسك يفوق طاقة المقتدر، ورغم ذلك يحرص الكثيرون على توفير ما يستطيعونه ولو بالاقتطاع من أصل إنفاقهم على حياتهم من أجل أدائها.
أتصور أنه حال العمل بهذه الرؤية ستعود تذاكر السفر بالطيران إلى سيرتها الأولى وليست الأرقام الفلكية التى يشعر المرء معها بأن تكلفة التذكرة توحى بأن الكعبة فى المريخ وليست فى مكة، وستهبط أرقام الإقامة والتكاليف الضخمة التى يدفعها الحاج لمستغلى الحجاج والتى وصلت إلى أرقام خيالية هذا العام. ليس فى هذا ما قد يحاول البعض أن يلمح له من صد عن سبيل الله، وتصورات تراجعت بنا للخلف وجعلتنا فى قاع الأمم.
وهو الأمر الذى ينسحب على الأضحية، التى يجب البحث عن منافذ وأساليب جديدة لتطبيقها، بعد أن أصبحت مجالا للاستغلال من قبل تجار هذه العبادة، وإلا فليقل لى البعض كيف يتجاوز سعر كيلو اللحم من الأضحية سعره فى التجزئة من متجر الجزارة، وهو ما أكدته تجربة البعض العام الماضى والتى وصل معها كيلو الأضحية أكثر من 120 جنيها فى حين لم يكن يتجاوز لدى المحلات مائة جنيه.
بهذا الفهم لفريضة إسلامية وتوابعها أتصور أننا نكون بذلك قد أقدمنا بحق على تطبيق الموضة التى تتردد الصيحات بشأنها فى الأفق حول تجديد الخطاب الدينى، فتلك من أولى مهامه وفرائضه.. والله ورسوله أعلم!