د. محمود خليل
بعد «الكيميا المشتركة» «حوار الفيزيا»
بعد أحاديث «الكيميا المشتركة» دخلنا مرحلة «الفيزيا». عن العلاقات المصرية الأمريكية أتحدث. منذ أن تولى الرئيس «ترامب» الحكم، وأصوات عديدة تؤكد مسألة «الكيميا المشتركة» بين الإدارتين المصرية والأمريكية. منذ يومين قررت الولايات المتحدة الأمريكية حجب مساعدات قيمتها 290 مليون دولار عن مصر، بسبب ما وصفته بالقلق من أسلوب تعامل الحكومة مع قضايا حقوق الإنسان، وتحديداً فيما يتعلق بقانون الجمعيات الأهلية. وزارة الخارجية المصرية عبرت عن أسفها لقرار الولايات المتحدة الأمريكية تخفيض بعض المبالغ المخصصة فى إطار برنامج المساعدات الأمريكية لمصر، سواء من خلال التخفيض المباشر لبعض مكونات الشق الاقتصادى من البرنامج، أو تأجيل صرف بعض مكونات الشق العسكرى.
من حق مصر أن تأسف بالطبع، لكن علينا أن نتعلم من هذا الموقف أن القرار الأمريكى لا يدار بفكر شخص أو توجهاته، بل تصنعه مؤسسات قادرة. منذ أن تولى «ترامب» الحكم وهو يرغى ويزبد بكلام كثير، استحسنه بعض المسئولين المصريين، لكن التجربة تثبت كل يوم أن شقشقات «ترامب» مجرد «كلام ابن عم حديت»، وأن مؤسسات الدولة العميقة فى الولايات المتحدة الأمريكية هى الصانع الأبرز للقرار. كان يجب أن نتعلم هذا الدرس منذ أن تلكأت الإدارة الأمريكية فى إعلان الإخوان كجماعة إرهابية، وهو ما راهن عليه البعض بعد تولى «ترامب» الحكم، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، ورغم ذلك تعلق البعض أكثر وأكثر بالعم «ترامب»، حتى فوجئ بالقرار الأخير المتعلق بحجب المساعدات، ويبدو أن بانتظار الإدارة المصرية ما هو أكبر على هذا المستوى.
واثق أن أصواتاً عديدة سوف تخرج فى الإعلام لاعنة الولايات المتحدة وإداراتها، ومتهمة إياها بدس أنفها فى الشئون الداخلية لمصر، وأن الحكومة وضعت قانون الجمعيات الأهلية من أجل تقليم أظافر الجمعيات والمؤسسات المدنية التى تريد شراً بالدولة المصرية، وغير ذلك من كلام محفوظ، ومؤكد أنك لن تتعجب إذا سمعت هذا الكلام يتردد على ألسنة كانت تتغزل بالأمس فى الإدارة الأمريكية، وتحلل لك التغيرات المتوقعة على الأداء الأمريكى -فيما يتعلق بمصر والمنطقة- بعد تولى ترامب، لن تتعجب لأنك تعلم أن «إعلام الأرجزة» هو سيد الموقف ومايسترو إدارة المشهد الإعلامى المعاصر. لا تتعجب أيضاً إذا سمعت العديد من العبارات التى حفظتها لطول تكرارها عن المؤامرات الكونية، التى تقودها دوائر غربية، وحروب الجيل الرابع والخامس.
حقيقة الأمر أننا نحتاج إلى نوع من المرونة فى إدارة ملف العلاقات المصرية الأمريكية، بعد فترة تعاملنا فيها بمنطق الحب و«الكيميا المشتركة». مصر بحاجة إلى المساعدات الأمريكية، وإلا لما حرصت الإدارة المصرية على الحصول عليها. ولا بأس من إعادة النظر فى ملف حقوق الإنسان لدينا. دعك من تعليقات المؤسسات الحقوقية الغربية على هذا الملف، وراجع التقارير والتعليقات الصادرة عن المجلس القومى لحقوق الإنسان بمصر فى هذا السياق. لو فعلت فستجد أن مجلسنا الحقوقى الوطنى أبدى العديد من التحفظات على قانون الجمعيات الأهلية وطالب بإعادة النظر فيه، ما يعنى أن المسألة لا تقع فى خانة «المؤامرة» ولا يحزنون، وإنما هناك أصوات وطنية داخلية تفكر بشكل فيزيائى «طبيعى» بعيداً عن أحاديث «الكيميا المشتركة»!