الأهرام
عبد الرحمن سعد
إصلاح العمل الصالح
بدأ أول من أمس (الأربعاء) أيام عشر شهر ذي الحجة، وتَحَدَّدَ الوقوف بعرفة يوم الخميس الحادي والثلاثين من أغسطس الجاري، ليبدأ عيد الأضحى (يوم الحج الأكبر، يوم النحر) الجمعة الأول من سبتمبر، عاشر أيام وصفها الرسول، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بأنها "أفضل أيام الدنيا"، ودعا فيها أمَّته للإكثار من العمل الصالح.
عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، أن رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر". (صحيح الجامع الصغير).

وعن ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، أن رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامِ الْعَمَلُ الصَّالِحِ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ، يَعْنِي: أَيَامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ".(البخاري)؟.

وهنا يفرض السؤال نفسه: ما المقصود بالعمل الصالح، المُشار إليه في الحديث على أنه أفضل، وأحب إلى الله، مما سواه في بقية أيام السنة؟

أجاب العلماء بأن الأعمال الصالحة تختلف باختلاف الأزمنة، والأمكنة، والأحوال، والأشخاص، والبيئات، والظروف، وحتى الشعوب والمجتمعات.

فما يكون أفضل الأعمال الصالحة في حق شخص هو ليس كذلك في حق غيره، ولا في وجود مكان مختلف، أو زمن مغاير، أو ظرف مُباين.

ويقصر البعض، خطأ، مفهوم "العمل الصالح" على العبادات فقط، كالصيام، والحج، وتلاوة القرآن، وحتى الصلوات وقيام الليل، برغم أن نفع هذه العبادات لا يتعدى صاحبها إلى غيره، وهو ما يدعونا إلى محاولة ضبط أولويات العمل الصالح، وفق مبادئ الشريعة، ولا يقلل من فضل هذه الأعمال، وشرفها، عند الله.

فيما رواه ابن أبي نعيم عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، قال: "جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن دم البعوض، وفي رواية: "فسأله عن المُحْرِم يقتل الذباب"، فقال له: ممن أنت؟ قال: من أهل العراق. قال: "انظروا إلى هذا.. يسأل عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله". (البخاري).

إن المعيار في أولوية "العمل الصالح" هو الاهتمام بما اهتمَّ به القرآن الكريم، من الإيمان بالله تعالى، وأصول العبادات والمعاملات، ومكارم السلوك والأخلاق.

وقد رتب العلماء أولويات العمل الصالح كالتالي: أولوية العمل "المتعدي النفع" على القاصر النفع، وأولوية عمل القلب على عمل الجوارح، وأولوية العمل الدائم على المنقطع، وأولوية العمل الأطول نفعا، والأبقى أثرا، لا سيما في زمن الفتن، على العمل القصير النفع، وكذلك أولوية "الإصلاح بين الناس" على ما عداها.. إلخ.

وهناك أولويات أخرى تتعلق بنبذ الأعمال الفاسدة، كالذنوب والكبائر التي حرَّمها الله تعالى، وفي مقدمتها: الشرك بالله، والظلم، والمكر، والخيانة، والسرقة، والكذب، وشهادة الزور، وأكل الحرام، والجدل، والمراء، واللدد، والسب، والشتم، واللعن، والغيبة، والتجسس، والنميمة، واللغو، والرشوة، وإيذاء العباد، والتطاول عليهم.. إلخ، وكلها كبائر محرمة في الإسلام.

أما البداية في العمل الصالح فتكون بتجديد النية، وهي عبادة لا تتوقف. قال تعالى: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ" (البينة: 5). وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات".(البخاري).

ومن الأولويات: "جهاد النفس". قال أحد الصالحين: "جاهدت نفسي في قيام الليل عامًا فذقت حلاوته عشرين عامًا". وهو معنى قوله تعالى: "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ". (السجدة: ١٦).

وكذلك قال العلماء إن من أولويات العمل الصالح "طلب العلم" إذ يرفع الله به الإنسان إلى أعلى الدرجات؛ لقوله تعالى: "يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ". (المجادلة: 11)، ولقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ". (البخاري).

ومع ما سبق؛ لا بد من معاملة الفقراء معاملة قرآنية، واحتضانهم بروح إيمانية، وكثرة الإنفاق والتصدق، مع متابعة أحوال المسلمين في العالم.

روى الحاكم بسنده عن حذيفة، وعن عبد الله بن مسعود، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "من أصبح وهمه غير الله فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم للمسلمين فليس منهم" (مستدرك الحاكم).

وغير خاف أن صيام يوم عرفة "سُنة" عن النبي، صلى الله عليه وسلم. إذ روى أبو قتادة، رضى الله عنه، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التى قبله، والسنة التى بعده". (رواه مسلم).

وهكذا يكفر صيام يوم عرفة صغائر عامين: مضى، وبقى. قال الإمام أحمد: "الصيام أفضل ما تطوع به، لأنه لا يدخله الرياء"، والأخير يحبط الأعمال.

ويباعد صوم النافلة وجه صاحبه عن النار. قال، صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النارَ سبعين خريفاً".(متفق عليه).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف