الأخبار
د.محمد مختار جمعه
قضية ورأي .. الأيام العشر وإضاءة لابد منها
العشر الأول من ذي الحجة هي أيام مباركة ذكر في شأنها وبيان فضلها ما لم يذكر في غيرها، حيث يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : » مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَي اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ) يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ : »‬وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ »‬، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : »‬ مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلاَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ»‬، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : »‬ أفضل أيام الدنيا أيام العشر يعني عشر ذي الحجة »‬. قيل : ولا مثلهن في سبيل الله ؟. قال »‬ ولا مثلهن في سبيل الله إلا من عفّر وجهه في التُراب».
وذكر بعض المفسرين في تفسير قوله تعالي : (والفجر وليال عشر) أنها العشر الأول من ذي الحجة، وإن كان بعضهم قد ذكر أنها العشر الأواخر من رمضان، وحاول بعضهم أن يجمع بين الأمرين فقال : الشأن في الفضل في عشر ذي الحجة موجه إلي الأيام وفي رمضان موجه إلي الليالي، لأن بها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، ولا حرج علي فضل الله في هذه وتلك، فمن فاته فضل في هذه فليستدركه في تلك، أما من وفق لاغتنامهما معًا فهو السعيد الموفق.
غير أن الإضاءة التي لا بد منها ولا غني عنها هي ما ورد في الحديث عندما سئل النبي (صلي الله عليه وسلم) : وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يا رسول الله ؟ فقال (صلي الله عليه وسلم) : »‬ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ »‬ إذ لا ينبغي فهم هذا النص النبوي الشريف بمعزل عن النصوص والقواعد الأخري التي تنظم قواعد السلم والحرب، فلا يجوز أن يخرج أي شخص بنفسه وماله من تلقاء نفسه معلنًا الجهاد الذي يراه من منظوره هو، كما أن ذلك غير موكول إلي أي جماعة، أو حزب، أو قبيلة، وإلا لصارت فوضي، يعلن هذا الجهاد في الشرق، وذلك يعلنه في الغرب، وآخر في الشمال، ورابع في الجنوب، دون أي حكمة، أو دراسة لطبيعة الحروب ومقتضياتها ومتطلباتها، ومدي الحاجة إليها، والاستعداد لها، وهل هي واجبة محتمة أم أنه يمكن تفاديها، أو تأجيلها لظروف أكثر ملاءمة، وذلك مما لا يمكن أن يدركه آحاد الأفراد أو جماعة منهم، إنما هو أمر موكول إلي رئيس الدولة أو من يخول له دستور الدولة اتخاذ قرار الحرب والسلم، سواء أعطاه الدستور لرئيس الدولة، أم لمجلس أمنها القومي، أم للرئيس بعد أخذ رأي برلمانها، المهم أن قضية إعلان حالة الحرب ليست ملكا للأفراد أو الجماعات، وإلا لأصبح الأمـر فوضي لا دولة، وعدنا إلي حياة الجاهلية، حيث يقول الشاعر:
لا يَصلُــحُ النــاسُ فَـوضي لا سـَراةَ لَهُم
وَلا سَـــــراةَ إِذا جُهّــالُهُــــــم ســـــــادوا
مع تأكيدنا أن الحرب في الإسلام حرب دفاعية شرعت لرد الظلم والعدوان، حيث يقول الحق سبحانه وتعالي : »‬ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَي نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ »‬، ويقول سبحانه: »‬ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ »‬.
ومما يؤكد أن الحرب في الإسلام إنما هي لرد الاعتداء ودفع العدوان دون أي تجاوز أو بغي أن الإسلام قد دعانا إلي الإقساط إلي جميع المسالمين وبرِّهم وإجارتهم إن استجاروا بنا، فقال سبحانه : »‬لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»، وقال (عز وجل) : »‬وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّي يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ».
كما نهي الإسلام نهيًا صريحًا عن تخريب العامر، وهدم البنيان، فكان أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وسلم) حين يجهزون جيوشهم يوصون قادتها ألا يقطعوا شجرًا، وألا يحرقوا زرعًا، أو يخربوا عامرًا، أو يهدموا بنيانًا، إلا إذا تحصن العدو به واضطرهم إلي ذلك ولم يجدوا عنه بديلا، وألا يتعرضوا للزراع في مزارعهم، ولا الرهبان في صوامعهم، وألا يقتلوا امرأة، ولا طفلا، ولا شيخًا فانيًا ماداموا لم يشتركوا في القتال، فالقتال مقابل للقتال، لا الاعتقاد، لأن الإسلام كان ولايزال حريصًا علي حفظ الدماء كل الدماء، والأعراض كل الأعراض، والأموال كل الأموال، فكل الدماء حرام، وكل الأعراض مصانة، وكل الأموال محفوظة.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف