يواجه التجديد في بلادنا الإسلامية بل في العالم أجمع مأساة كبيرة لأن الجميع يدعيه وينفث فيه مما في نفسه نحوه بلسماً أو سماً. جهلاً. أم خبثاً.. بداية من أولئك الذين يطالبون باسمه أن نتخلص من آيات محددة في القرآن الكريم لأنها لم تعد تصلح لزماننا أو لأنها تدعو للعنصرية أو أنها آيات تغذي التطرف ثم الذين يرفضون القرآن كله لأنه لا يصح أن نلتزم بآيات تجاوز عمرها الألف وأربعمائة عام ثم الذين يطرحون كل شيء ويدعون إلي أن يطبق كل واحد مهما قل علمه الإسلام كما فهم هو من القرآن والسنة بصرف النظر عما فهم وانتهاء بأولئك الذين يتعاملون مع القرآن والسنة بحرفية أي يأخذون بظاهر ما فيها وليس بجوهرها فضلا عمن يطالبون بطرح كل التاريخ الفكري الفقهي والأصولي والكلامي ثم الاتجاه إلي القرآن والسنة مباشرة والبدء من جديد.
هذا الذي يحدث لفكرة التجديد في الفكر الإسلامي لم تحدث لأي فكر في أي حضارة إلي درجة أن غير المسلمين قادة ومفكرين يتحدثون فيه من منطلقاتهم بل يستغلون ما يروج من أغاليط في إدارة معركتهم ضد الإسلام الذي نصبوه عدواً منذ سقوط الاتحاد السوفيتي. ليس هذا فقط بل أقاموا مئات المراكز البحثية لصناعة الأزمات الفكرية للإسلام والمسلمين وزراعة من يروجها ويناقشها كأنها واقع في بلادنا وشراء ذمم المستعدين للبيع ليديروا معركتهم ضد الإسلام هذا الخطر الذي يخشونه ويريدون القضاء عليه حماية لثقافتهم.
الطريف أن الإسلام الذي تأتيه السهام من كل حدب وصوب من أبنائه وأعدائه ومحبيه وكارهيه جاء وبه آليات تجديد فكره ليس هذا فقط وإنما نبه رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلي آله إلي حقيقة التجديد عندما قال يأتي علي رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها "بل قال لنا جددوا إيمانكم".
أما الآلية الداخلية في مصدري الإسلام "القرآن والسنة" التي تجعل من التجديد حقيقة وفريضة فهو ما جاء فيه من ثوابت ومتغيرات. الثوابت تحفظ عليه بقاء جوهره وتتمثل في الآيات العقدية الصريحة الدلالة المحددة تحديداً لا اجتهاد في فهمه أما المتغيرات وهي الأكثر فهي الآيات التي جاءت بأحكام عامة تحقق للمجتهد سعة في حركة الفهم والاستنباط حسب ما يطرأ علي الأزمان والأمكنة وظروف الناس من تغيرات تفرضها تطورات الحياة وتقلبات الظروف.
هاتان الآليتان بدتا شديدتي الوضوح في حوار رسول الله صلي الله عليه وسلم مع سيدنا معاذ بن جبل عندما بعثه رسول الله صلي الله عليه وسلم حاكماً علي اليمن فسأله: إذا عرضت عليك مسألة فبم تحكم؟ فقال بالقرآن. فإن لم تجد؟ فقال بسنة رسول الله ــ قال فإن لم تجد قال "أجتهد ولا آلو" هذا الاجتهاد الذي أشار إليه المقصود به أن يحكم بما يراه عقله في إطار روح الإسلام وجوهره وفي إطار الأحكام العامة التي وضعت أطراً واسعة تمنح المجتهد قدراً من الحركة والرؤية من دون أن تلقي به خارج الإطار.
إذن فالأمر يدعو للغرا بة والاندهاش وللمتأمل أن ينظر إلي الصورة في إطار الحرب علي هذه الحضارة التي حاول قتلها أعداؤها ولم يرحمها أتباعها.