السكة الحديد في مصر ثاني سكة حديد في العالم بعد بريطانيا.. نشأنا واجدادنا لنجدها أكثر وسيلة مواصلات أمانا. وأحسنها نظافة وأدقها انتظاما لم يقتصر نشاطها علي نقل الركاب فقط. إنما أمتد الي البضائع.
شاهدنا في محطة السكة الحديد بطنطا بابا ضخما تخرج منه البضائع وتدخل بمساعدة سيارات خاصة للسكة الحديد تعمل علي نقل البضائع من الباب إلي الباب حسب التعبير الذي كان سائرا حينئذ علي كل رصيف يوجد مصعد كبير بنقل البضائع من عربات القطار إلي المخزن المخصص لذلك في الدور الارضي المؤدي إلي الباب الضخم السالف ذكره.
بالغاء نقل البضائع وعدم استخدام المصاعد اصبحت اوكارا للصوص والمتسولين تغطي من الداخل بلفائف البوص حتي لاينكشف ما يحدث داخلها من جرائم في آخر العقد السابع من القرن الماضي وقبل انشاء الجامعات الاقليمية كنا نسافر يوميا للمحاضرات بالكلية باستخدام القطار وكانت عربات الدرجة الاولي والثانية العادية - الغيت الان - عبارة عن دواوين نظيفة محلاه بالرايات والصور لآثار مصر انظف بكثير من عربات الدرجة الاولي المكيفة في الديزلات الآن تستخرج اول العام الدراسي بطاقة سفر مخفضة للدرجة الثانية تدفع خمسة قروش ونصف قرش لركوب الديزل المكيف.. سهل جدا وجود أماكن في الديزل خلافا لما هو سائد الآن.
بعد هزيمة يونيه سنة 1967 قل عدد القطارات المسافرة لاستغلال بعضها والجرارات في العمليات الحربية.
ساءت حالة السكة الحديد لظروف الحرب والمجهود الحربي. فضلا عن ان الركاب لم يراعوا الله والوطن في المحافظة علي السكة الحديد ولشدة زحام المسافرين مع قلة عدد القطارات كان الشباب يستخدم ارفف الامتعة في الجلوس عليها حتي ان بعضهم كان لايجد مكانا يجلس فيه فيستخدم اسطح القطارات كما كان الجالسون علي الارفف تتدلي اقدامهم بالأحذية فوق رءوس الجالسين علي المقاعد دون ان يعترض احد.
كان رئيس القطار أو الكمساري لايتسطيع المرور بين الركاب لفرز تذاكر السفر وانما كان يستخدم دائما السير والقفز فوق مساند المقاعد ليتمكن من تحصيل الاجرة من الجالسين علي الارفف.
كثيرا ما كان يحدث اشتباك بين مستخدمي سطح القطار مع رجال الشرطة المدنية أو الشرطة العسكرية حسب الاحوال بالنسبة للافراد.
الغريب ان حوادث الموت اليومية لم تمنع احدا من استخدام سطح القطار واعمدة السيمافورات تضرب رأس الشاب المعلق علي سطح القطار في قويسنا لينزل جثمانه في محطة طنبشا مركز بركة السبع مما جعل الركاب يسمون المحطة الاخيرة بحانوتي القطار لكثرة الجثامين التي تتلقاها تلك المحطة رغم هذا كله ظلت السكة الحديد وسيلة اشد امانا من وسائل اخري للسفر واكثرها راحة وانتظاما.
دقة مواعيد القطارات قياما ووصولا كانت يضرب بها المثل حتي ان بعض اساتذتنا في القضاء يقارنون انتظام مواعيد الجلسات بانتظام مواعيد القطارات ويقولون ميعاد الجلسة محدد ومنتظم تماما مثل مواعيد القطارات لايتخلف عنه احد.
تمتعنا جميعا باستقلال القطارات الفارهة والعادية سواء بسواء لم نجد في عربات الدرجة الثالثة ونحن صغار نافذة لاتغلق او زجاجا مهشما او حماما خربا كنا نفضل استخدام القطارات عن استخدام السيارات مهما كانت فارهة وخاصة في المسافات البعيدة.. نعتز بهذا المرفق العظيم رمز الحضارة المصرية في العصر الحديث.
اذكر ان اكبر أبنائي حين بدأ يميز الاشياء اصطحبته إلي محطة سكة حديد طنطا دون حاجة للسفر ليشاهد القطار ويتعرف عليه.
لذلك انا حزين اشد الحزن لما اصاب مرفق السكة الحديد من اهمال وتخريب وحوادث.. وأتساءل ما الذي حدث لهذا الشعب لايرعي الله والوطن في الحفاظ علي مرافقه وصيانة أملاكه.