الجمهورية
د. محمود وهيب السيد
لماذا لا نرجع للنظام التعاوني
تأخذ الحكومة علي عاتقها العمل وبصورة منفرده للتصدي لجميع مشاكل واحتياجات المواطنين. وهو أمر من الصعوبة بمكان في ظل محدودية الموارد العامة وندرة مساهمة رجال الأعمال أو حتي وجود مشاركة شعبيها في تلك المجهودات. لذا فإن المشاكل تتفاقم والمطالب تتزايد والصعوبات تتعقد وانين الموازنة العامة يعلو.. وأمد حلها يطول.
وقد واجهت دول كثيرة قبلنا ذلك التحدي. وتمكنت من محاربته بتبني أسلوب العمل القائم علي الفكر التعاوني. حدث ذلك بعد الحربين العالميتين بأوروبا والولايات المتحدة. وفي كلا المعسكرين الشيوعي والرأسمالي علي السواد بعدها. وكنا نحن بمصر في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي نأخذ به وحققنا من خلاله نتائج مدهشة. ويقوم هذا الفكر علي مشاركة الشعب أو فئة منه في جهود حل المشكلات القائمة أو إقامة مشروعات تهدف لتلبية بعض من احتياجاتهم الأساسية أو مشروعات إنتاجية تزيد من معدل العائد علي استثمار أموالهم. مثل إنشاء المجمعات التعاونية الاستهلاكية أو الإنتاجية. أو جمعيات تصدير المنتجات المصنعة أو استيراد وتوفير الخامات الأساسية اللازمة لصناعات معينة كالأثاث مثلاً. وكذلك لإقامة مشروعات إسكان تعمل علي توفير المسكن المناسب لفئات معينة بالتكلفة الحقيقية. أو جمعيات زراعية تتولي توفير الأسمدة والكيماويات وتقاوي المحاصيل بأسعارها الحقيقية ثم تسويق المنتجات الزراعية.
ويعتمد الأسلوب التعاوني علي إقامة كيان قانوني تعاوني يشهر بالجهة الإدارية ليخضع لرقابتها ويعمل تحت إشرافها. يتكون من أعضاء يسهم كل منهم بحصة متساوية من رأس مال هذا الكيان. ويتولي مسئولية إدارته مجلس إدارة منتخب منهم ويعمل تحت إشراف وتوجيه جمعيتهم العمومية المكونة من جميع الأعضاء المشتركين بها. لتتولي كل منها العمل في المجال التي أنشئت من أجله. سواء أكان سلع استهلاكية أو إنتاجية أو مشروعات إسكان أو مشروعات زراعية كالبنوك الزراعية وما شابهها.
ويحقق هذا الأسلوب عدة أهداف أهمها تخفيف العبء عن كاهل الموازنة العامة والتي تنوء بزوجه الصرف المتعددة والتي تعجز عن تلبيتها مجتمعه. حيث إن التكلفة الفعلية لإقامة هذه المشروعات يتحملها المواطنين أعضاء تلك الجمعية دون أن تتحمل الدولة أي شيء. ويحقق أيضاً المشاركة الشعبية في ملكية تلك المشروعات فتزداد إحساسهم بالمسئولية عنها باشتراكهم في اتخاذ القرارات الخاصة بها ومراقبة أعمال مجلس إدارتها وتحمل نتائج وتبعات أعمالها علي المستوي الفني والمالي والإداري. ومن ناحية أخري تعمل علي زيادة إحساسهم بالانتماء الوطني.
والغريب أن ما ندعو إليه ليس فكراً جديداً أو حتي نظاماً قانونياً أو إدارياً مستحدثاً لم يكن موجود بمصر من قبل. بل إنها كيانات قائمة. وكان يتم تربية وتعليم تلاميذ وطلبة المدارس به بإشراكهم في إقامة وملكية وإدارة المقاصف المدرسية والكافيتريات الجامعية ومعارض بيع وتسويق منتجاتهم. وبالتالي يصبح المطلوب في تلك المرحلة هو مجرد تفعيل عمل تلك الجمعيات وتشجيعها وتنميتها. بحيث يصبح النظام التعاوني هو أسلوب العمل ومنهاج الحياة في المرحلة القادمة. فنخفف عن كاهل الدولة الكثير. ولعل في مشروعات الجمعيات التعاونية الإسكانية المثال الواضح. حيث يتكفل أعضاء الجمعية الإسكانية بحل مشكلة توفير مسكن مناسب لهم ذاتياً دون تحميل الدولة أية أعباد. وذلك عكس القائم حالياً حيث تتكفل الدولة بتوفير الموارد المالية لإقامة مشروعات الإسكان الاجتماعي الضخمة للمواطنين وتوزيعه عليهم. ثم تقوم بعد ذلك بتحصيل ما أنفق عليه منهم بالتقسيط وعلي المدي الطويل. وهذا بالطبع أمر مرهق لإمكانات الدولة المادية المحدودة. كل ذلك شريطة أن تخضع تلك الجمعيات لإشراف ورقابة سليمة من الجهات الرقابية بالدولة. مع دعم فني وإداري لها والعمل علي توفير متطلباتها الأساسية كالأراضي بأسعار مناسبة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف