الجمهورية
عبد الرحمن فهمى
هذا الأسبوع .. ذكريات الكلام عن الحج
ذات يوم من بدايات الستينيات.. فوجئت بكل من في الدار عندما يراني يقول لي: فتحي غانم يسأل عليك.. اطلع له فوق فوراً..
كان مجلس الإدارة في جريدة "الجمهورية" المبني القديم في الدور الثالث.. قال لي فتحي غانم:
- انت ستحج هذا العام.. خذ هذا الملف..
- مستحيل يا ريس.. وقفة عرفات بعد ثلاثة أيام والمطارات مقفولة من غد.. و.. و..
- اسمع.. أولاً.. بداية انت ستسافر مساء اليوم!!! وكانت هناك دعوة لي من خادم الحرمين.. أنا اعتبرتها دعوة للجريدة.. ورأيت أن تنوب عني في الحج هذا العام.. لكي تكتب يوميات شخص يحج لأول مرة.
أخذت منه الملف الذي كان في يده مادا ذراعه نحوي فقال لي:
- كل ما هو مطلوب ستجده في الملف.. حتي صورك وصورة تحقيق شخصيتك وبرنامج الضيافة باليوم والساعة.. أردت أن أراك بسرعة لكي تعود إلي منزلك لتستعد للرحلة فالوقت ضيق.. لابد أن تكون في المطار قبل الساعة التاسعة مساءً.
***
أخذت الملف.. ونزلت إلي مكتبي وأنا مذهول.. أريد أن أجمع شتات عقلي لأتفهم الموقف.. وكان لابد أن أجلس إلي مكتبي لكي أكتب عمودين أو أكثر لأنها أعمدة يومية!!!.. ثم أرسل الباقي من هناك.. وما أن جمعت شتات نفسي وعقلي وبدأت أكتب.. حتي جاءني خاطر جعلني أترك القلم وأعود إلي فتحي غانم.. وأضع الملف أمامه وقلت له:
- لن أستطيع أن أكتب يوميات عن الحج وزيارة الرسول صلي الله عليه وسلم.. بعد كل هذه السنين التي حج واعتمر وكتب خلالها أعظم وأكبر وأشهر فقهاء وأدباء وشعراء وقصصيون وزجالو العالم كله.. هناك ملايين الكتب التي لم تترك أي صغيرة أو كبيرة إلا تعرضوا لها بكل التفاصيل.. قل لي: ماذا أكتب بعد ذلك؟!!
فتحي غانم كان له شخصية فريدة من نوعها.. الهادئ الصامت المفكر السارح المتأمل.. عدد الكلمات التي يقولها طوال اليوم معدودة وعدد الكلمات التي يكتبها لا حصر لها.. لذا تركني أقول وأتكلم كثيراً ليرد عليّ بكلمتين:
- ستكتب كثيراً.. أنا متأكد!!!
***
وفي المطار اتضح لي انه كانت هناك دعوة لرؤساء الصحف القومية الثلاث "الجمهورية" و"الأهرام" و"الأخبار".. وان الثلاثة أوفدوا محررين نيابة عنهم.. واننا سننزل ضيوفاً علي خادم الحرمين.. كانت رحلة من أسعد رحلات عمري رغم ان سفرياتي لا تعد خاصة مع فرق الكورة بأمر من عبدالحكيم عامر ـ وهذا الأمر له حكاية أخري سأرويها فيما بعد ـ في هذه الرحلة تعرفت علي أصحاب جريدة "عكاظ" وهما شقيقان مثل مصطفي وعلي أمين.. وعرضا عليّ بإلحاح أن أعمل معهما ولما اعتذرت لظروفي الخاصة طلبا مني أن أرشح أحد الزملاء فقد كان الشقيقان يحبان طريقتنا في كتابة الرياضة بالجمهورية فرشحت لهما أحد أفراد الشلة.. فقد كنا شلة أصدقاء لا محرري قسم!!! رشحت لهما الأخ قدري الطحاوي وسافر بالفعل وعمل معهما...
***
وعندما عدت.. كتبت يوميات في الصفحة الأخيرة لمدة حوالي ثلاثة أسابيع ـ كان فتحي غانم يريدها شهراً!!! ـ مقال يومي علي عمودين ـ من بين ما كتبته قلت: لماذا وسيلة المواصلات الوحيدة داخل المملكة هي السيارة؟؟... لماذا لا يكون بجوار السيارة شبكة سكة حديد علي أعلي مستوي!!!
كان في سفارة المملكة ـ أيام كان المبني في الزمالك ـ كان هناك مستشار إعلامي اسمه محمد بك صالح استدعاني وقال لي انه أرسل كل ما كتبته للمملكة.. وهناك تفكير فعلاً في موضوع السكة الحديد.. ذكريات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف