المصريون
عمرو عبد الحافظ
من تجليات الفصل بين الدعوي والسياسي في الحالة التونسية
في 13 أغسطس الجاري 2017 وخلال خطابه بمناسبة العيد الوطني الحادي والستين للمرأة التونسية؛ قدم الرئيس التونسي باجي قائد السبسي مبادرة للمساواة بين الرجل والمرأة في كافة المجالات بما فيها الميراث، كما طالب بتغيير مرسوم كان قد أصدره الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة يمنع زواج المرأة التونسية بأجنبي قبل إشهار إسلامه. أثارت تصريحات الرئيس التونسي جدلا واسعا في أوساط سياسية ودينية داخل تونس وخارجها؛ فقد أصدرت دار الإفتاء التونسية بيانا تعلن فيها تأييدها لمبادرة السبسي، بينما أصدرت جامعة الزيتونة التونسية بيانا قالت فيه إن "مبادرة رئيس البلاد تتعارض مع أحكام الدستور ومبادئه"، وطالب رئيس الجامعة هشام قريسة بتشكيل هيئة علمية شرعية للنظر في المسألة، رافضا انفراد المفتي التونسي بالرأي فيها، وأضاف في مؤتمر صحفي مشترك مع مجلس أساتذة جامعة الزيتونة: "مثل هذه المبادرات لن تنجح ولن يكتب لها أن تطبق في بلادنا"، وقال عبد اللطيف البوعزيزي الأستاذ بجامعة الزيتونة: "دار الإفتاء خذلت الشرع". كما أصدرت مشيخة الأزهر الشريف في مصر بيانا رفضت فيه مبادرة الرئيس التونسي وبينت أن نصوص الميراث والنصوص الصريحة المنظمة لبعض أحكام الأسرة قطعية الثبوت والدلالة لا مجال فيها للاجتهاد والتغيير.

يأتي هنا دور حركة النهضة في تونس؛ فقد تأسست عام 1972 تحت اسم الجماعة الإسلامية ثم غيرت اسمها إلى حركة الاتجاه الإسلامي ثم إلى حركة النهضة عام 1989، وظلت تنظيما إسلاميا شاملا يهتم بالجوانب الدعوية والسياسية على غرار جماعة الإخوان المسلمين في مصر؛ حتى منتصف العام الماضي 2016 حينما أعلنت الحركة تحولها بشكل كامل إلى حزب سياسي يحمل الاسم ذاته، تاركة العمل الدعوي لمنظمات المجتمع المدني، الأمر الذي سينعكس على طريقة تعاطيها مع مبادرة السبسي، خاصة أن مضمون المبادرة ذو وجهين؛ أحدهما ديني لأن القضية تتعلق ببعض أحكام الشريعة الإسلامية، والآخر سياسي لأن المبادرة صادرة عن رئيس الدولة ولا يمكن تطبيقها إلا بقرارات سياسية تصدر عن الرئيس أو البرلمان.

في البداية صرحت حركة النهضة بأن "المسألة دينية وليست سياسية، ونحن نناقش السياسي فقط"، لقد نأت حركة النهضة بنفسها بداية عن التعاطي مع الجانب الشرعي في المسألة ورفضت تقديم الفتوى الشرعية فيها بوصفها حزبا متخصصا في العمل السياسي فقط، تاركة الحديث عن الفتوى لمنظمات المجتمع المدني المتخصصة في هذا الجانب كجامعة الزيتونة على سبيل المثال. وفي صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" قالت يمينة الزغلامي النائبة في البرلمان التونسي عن حركة النهضة: "مجلس نواب الشعب في نظام ديمقراطي هو صاحب السلطة في صياغة القوانين، وبعد قانون القضاء على العنف ضد المرأة والأطفال سنصادق على قانون عطلة الأمومة والأبوة وعلى مجموعة من النصوص تحمي وتقضي على التمييز ضد المرأة الريفية، والعدالة الاجتماعية للنساء الكادحات هي قضيتنا الحقيقية"، وقالت في تصريحات إعلامية تعقيبا على مبادرة السبسي: "تلك الدعوات لن تمر في مجلس الشعب صاحب السلطة التشريعية في ظل النظام الديمقراطي". لقد تكلمت النائبة النهضاوية بلغة السياسة وحدها مبتعدة تماما عن لغة الإفتاء الشرعي والتزمت بالحديث من الزاوية التي تتخصص فيها الأحزاب السياسية، وهو ذات المنهج الذي التزمه نور الدين العرباوي رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة في تصريحه: "إن الحركة لا ترى أي إشكال في طرح موضوع المساواة في الإرث بين المرأة والرجل، طالما أن هذه المسألة ستطرح ضمن ثوابت الدستور وفي إطار الالتزام بنص الإسلام وروحه".

في تصريحات إعلامية فرّق عبد الفتاح مورو، نائب رئيس حركة النهضة ونائب رئيس البرلمان التونسي، بين المسألتين اللتين جاءتا في مبادرة الرئيس التونسي؛ فقضية الميراث - بحسب قوله - قضية عامة ينبغي أن يوجد بشأنها قانون يلتزم به الجميع بإرادتهم أو بغير إرادتهم، بينما قضية زواج المرأة التونسية من أجنبي غير مسلم؛ قضية شخصية لا يشترط أن يصدر فيها قانون ملزم. يشرح مورو في تصريحه الإعلامي حيثيات هذا الرأي بأن المرسوم التونسي الذي يمنع زواج المرأة التونسية من أجنبي قبل إشهار إسلامه يتم عمليا التحايل عليه باستخراج شهادة مزورة من موطن ذلك الأجنبي تفيد بإعلان إسلامه وهو في الحقيقة غير مسلم، ومن ثم يصبح تطبيق الحكم الشرعي في المسألة خاضعا لضمير المرأة - التي تعلم الحكم الشرعي فيها - وليس خاضعا لقانون يسهل التحايل عليه، وما دامت المسألة شخصية على هذا النحو فإن الدور يقع على عاتق المؤسسات الدعوية لتقنع المجتمع بالالتزام طواعية بأحكام الشرع، إذ لا سلطان للدولة على ضمائر الناس.

تبدو حركة النهضة التونسية على وعي كامل بطبيعة المجالين الدعوي والسياسي، بشكل يجعلها تدرك دوائر التمايز والتداخل بينهما، الأمر الذي يتيح لها التركيز على ما يخص الشأن السياسي بوصفها حزبا سياسيا متخصصا، كما يتيح لها في الوقت ذاته الاقتراب من دائرة المشترك بين المجالين ولكن من موقع السياسي لا من موقع الداعية، تاركة في الوقت ذاته الجانب الدعوي المحض لمؤسساته المتخصصة.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف