علاء عريبى
رؤى .. شريط كاسيت فى القبر
تلقيت رسالة من د. رجب نجم، دكتوراه فى الفقه، يعقب فيها على ما كتبته عن رأى ابن جرير وابن كثير فى عذاب القبر، وقبل أن أعرض لخلاصة رأيه ومنهجه فى الكتابة والبحث، أعود بكم إلى أكثر من ثلاثين سنة.
كنت طالباً فى الكلية، انشغلت أيامها جداً بفكرة الموت، فى الفلسفة وفى الديانات وفى الأدب الشعبى المصري، وتوقفت كثيراً أمام لحظة الانتقال من الوجود الآنى، إلى وجود ما بعد الموت، ما الفرق بين الوجودين؟، بين العالمين؟، وهل يدرك من يقبض أنه يموت أم أنه سيكون مثل النائم ستتوقف حواسه ويعطل إدراكه؟، وهل سيعى الفرق بين الوجود الذى كان فيه، والوجود الذى انتقل إليه؟، هل سيشعر بألم؟، ما هى هيئة من يستقبله؟، وهل يستقبله بلغته أم بلغة العالم الجديد؟.
الحديث عن الموت كان يجرنا دائماً إلى العذاب فى القبر، وأن الله لا محالة سوف يعذبنا فى القبر، وأن هذا العذاب سيستمر إلى يوم القيامة، وهو ما يعنى بالضرورة أن الموت تصاحبه آلام وأوجاع، تبدأ من لحظة خروج النفس وحتى استقرار الجسد فى القبر.
الحكايات عن التعذيب داخل القبر كانت وما زالت كثيرة ومتنوعة، تبدأ بالنهر والتعنيف، وتمر بالضرب بالمقرعة، وتنتهى بالثعبان، من كانوا يحكون لنا ربطوا بعض أنواع التعذيب ببعض الذنوب، وكانوا يتفننون فى سرد وقائع سمعوها من أجدادهم يقشعر لها البدن، وتزرع الخوف فى قلوبنا، ورغم كثرتها وتنوعها لم يذكر أحدهم النار، فقد كانت أدوات التعذيب تشمل الضرب، والنهر، والثعابين، وهو ما كان يعنى، دون إدراك منا ومنهم، أن النار هى أداة التعذيب فى الآخرة، وسوف يعذب بها من كثرت ذنوبه وخطاياه وجرائمه فى حق الله، ونفسه، وحق البشر.
بعد انتشار الكاسيت اختلقت حكاية على قدر من الغرابة، قيل إن أحد الأشخاص، لم يحددوا ديانته، ولا جنسيته ولا بلده، قرر معرفة ما يدور داخل القبر، أعد جهاز كاسيت، ومد سلك كهرباء إلى أحد القبور، وضغط على زر التسجيل، قالوا لنا: هذه التجربة تمت بعد عملية دفن حديثة، وصاحب المبادرة انتظر ثلاثة أيام، فتح بعدها القبر وأخرج التسجيل، تخيلوا ما الذى وجده على شريط الكاسيت؟، ما هى نوعية ولغة ونبرة الأصوات التى التقطها المسجل؟، من روى لنا الواقعة أكد أنه عثر على التسجيل محروقاً، كيف احترق؟، ومن الذى أشعل فيه النيران؟، الله أعلم.
بعد أن انتهيت من الجامعة وانشغلت بالبحث فى فكرة الموت، طرحت أمامى مئات الأسئلة، وجميعها تحتاج لشهور من البحث، وكان على أن أصل لقناعة ما: هل يدرك من يقبض أنه يقبض؟، هل يعى أنه ينقل من عالم إلى عالم آخر؟، من الذى ينقله؟، وما هى هيئته ولغته وسماته؟، وهل يصاحب عملية القبض بعض الوجع والألم؟، وهل سيغيب كالنائم بعد ذلك أم سيظل واعياً؟، وهل سيعذب بالفعل فى القبر؟، وهل سيستمر العذاب حتى يوم القيامة؟، وما هى أدوات التعذيب؟، ومن سيقوم بعملية التعذيب؟، وهل سيتساوى فى التعذيب من مات من ألف سنة ومن يموت قبل يوم القيامة بأيام؟. وللحديث بقية.