الأهرام
طه عبد العليم
الفقر والتعليم فى تقرير التنمية البشرية
يؤكد تقرير التنمية البشرية فى العالم 2016، أن التنمية البشرية، التى تعنى تنمية البشر ببناء الموارد البشرية، ينبغى أن تتحقق للجميع. ويذكرنا التقرير بأن دليل التنمية البشرية المركب أدمج ثلاثة أبعاد أساسية للتنمية البشرية؛ هى متوسط سنوات الدراسة والعدد المتوقع لسنوات الدراسة، الذى يعكس القدرة على اكتساب المعرفة، بجانب متوسط العمر المتوقع عند الولادة، الذى يعكس القدرة على عيش حياة مديدة وصحية، ونصيب الفرد من الدخل القومى الإجمالى، الذى يعكس القدرة على تحقيق مستوى معيشي لائق.وأكتفى هنا بالاشارة الى ما تناوله التقرير عن التأثير المتبادل بين تفاقم الفقر وتأخر التعليم.

وأسجل من التقرير، أولا، أنه بالرغم من ارتفاع عدد سكان العالم مليارى نسمة، من 5.3 مليار نسمة في عام 1990 الى 7.3 مليار نسمة فى عام 2015، فقد حققت البشرية انجازات لا تنكر في مجالات عديدة، حيث انخفضت نسبة العاملين الفقراء، الذين يعملون ويعيشون على أقل من 1.90 دولار في اليوم الى 10 في المائة من مجموع ًالعاملين في العالم، أى أقل بمقدار الثلثين تقريبا مقارنة بعام 2000، وسجل معدل الفقر المدقع في الصين انخفاضا حاداً انخفاضا من 66.5 فى المائة فى عام 1990 الى 1.9 في المائة فى عام 2013. وبين عام 2000 وعام 2015 انخفض عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس فى جميع أنحاء العالم بمقدار النصف تقريبا، وحقق ثلثا البلدان النامية مساواة الجنسين في التعليم الابتدائى.

وثانيا، أن الأخبار ليست كلها طيبة حيث لا يزال الحرمان البشرى كبيرا. وهكذا، فان واحداً فى المائة من سكان العالم يملكون 46 % من ثروته. وقد ترافق ارتفاع مستويات الدخل في أنحاء العالم مع اتساع فجوة اللامساواة، حيث الأطفال والنساء هم الأشد تأثرا. وقد كانت زيادات الدخل حادة لشاغلى قمة توزيع الدخل. ورغم التقدم المثير للإعجاب في خفض الفقر على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، كان 766 مليون شخص يعيشون على أقل من 1.90 دولار في اليوم فى عام 2013. وقد أسهم توزيع نتائج العولمة وتطبيق سياسات الليبرالية الاقتصادية، فى تقدم بعض فئات المجتمع وإهمال الفئات الفقيرة، وهى السياسات التى يمليها صندوق النقد الدولى والبنك الدولى وتتم لصالح الأثرياء وعلى حساب الفقراء. وهكذا، فقد أصبحت الثروة العالمية الآن أكثر تركزا، فمنذ عام 2000 لم يستفد من الزيادة في الثروة العالمية سوى 50 في المائة من سكان العالم. وانفرد أغنى 1 في المائة من سكان العالم بنحو 50 فى المائة من الزيادة، ولم يتلق أفقر 50 فى المائة من سكان العالم سوى 1 فى المائة. وفى عام 2000 امتلك أغنى من سكان العالم 32 فى المائة من الثروة العالمية، وارتفعت حصتهم الى 46 فى المائة فى عام 2010. وصار أكثر من 36 فى المائة من الأطفال في البلدان المتقدمة يعيشون تحت خط الفقر النسبي، في أسر يقل دخلها عن 60 فى المائة من متوسط دخل الأسر المعيشية على المستوى الوطنى. وازدادت حصة أغنى 1 فى المائة من الثروة الوطنية فى الولايات المتحدة الأمريكية من 12 فى المائة فى عام 1990 الى 19 فى المائة فى عام 2008 (قبل الأزمة العالمية) الى 22 فى المائة فى عام 2012 في المائة في عام 22 فى المائة، وأشار اقتصاديون أمريكيون بارزون إلى أن اللامساواة كانت من الأسباب الرئيسية للأزمة.

وثالثا، أن حقوق الإنسان، ومنها الحق فى التعليم، هى حجر الأساس في التنمية ّالبشرية. وهنا يشدد التقرير على أن التنمية البشرية المستدامة تقترب من حيز الإمكان إذا أتيح لجميع الأطفال الحصول على مهارات تتماشى مع فرص العمل عند انضمام الشباب إلى القوة العاملة. ويتركز قدر كبير من الاهتمام وعلى إتمام جميع الأطفال ضمان دورة كاملة من التعليم، بما في ذلك مرحلة ما المدرسة. وتشير أبحاث البنك الدولي إلى أن ُكل دولار ينفق على التعليم ما قبل المدرسى يحقق بين 6 و17 دولارا من المنافع العامة ويؤمن بناء قوة عاملة أفضل صحة وأعلى إنتاجية، وفى هذا السياق تدرس الصين إمكانية توفير التعليم ما قبل المدرسي لجميع أطفالها. ومشيرا الى أن بعض الاستثمارات في أولويات التنمية البشرية قوية ومتعددة الآثار، يلاحظ التقرير أن برامج الوجبات ّالغذائية المدرسية تشجع الأسر الفقيرة والمهمشة على إرسال أبنائهم وبناتهم إلى المدرسة وإبقائهم فيها؛ لأنها تكاد تكون الوجبات الوحيدة المغذية المتاحة لهم.

ورابعا، أن النمــو الاقتصــادي وزيــادة الدخــل ليــس الغايــة بــل همــا رافــد للتنميــة البشــرية؛ لأن مــا يهــم الإنســان ليس ّثــراء الاقتصــادات. ويخلص التقرير الى أن الفقراء والمهمشين بقوا خارج التقدم فى التنميــة ّالبشــرية، التى لابد من التركيز على الجودة لا الكمية فحسب فى تحديد نتائجها. وقد حققت بلدان عديدة مكاسب في الحصول على التعليم، ولكن التحسن في نوعية التعليم لم يواكب المكاسب الكمية، وبقيت الفوارق كبيرة في نوعية الخدمات التعليمية بين القطاعين العام والخاص في الكثير من البلدان النامية. وفى مصر، التى يمثل الانفجار السكانى فيها عقبة أساسية دون التنمية الشاملة عموما والتنمية البشرية خصوصا، يشير تقرير لليونسكو فى عام 2016 أيضا الى ضرورة أن يشهد التعليم تغيرات جذرية لنتمكن من تحقيق أهدافنا الإنمائية العالمية، ويسجل انخفاض عدد الولادات لكل 1000 امرأة إلى ما يقارب النصف للواتي أتممن تعليمهنّ الثانوى مقابل لا شىء للواتي لم يحصلن على التعليم. وفى ذات السياق يؤكد تقرير التنمية البشرية أن لو تمكنت الفتيات من إتمام مرحلة التعليم الثانوى لانخفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة إلى النصف، حيث يرتبط خفض معدل الوفيات بانخفاض نمو السكان ارتباطا ظاهرا. وللحديث بقية عن الحق فى التعليم ومجانيته وحالته ومستقبله فى مصر.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف