الأهرام
د . أحمد عاطف
أوروبا تحارب تزوير المعلومات
منذ سنوات شبابنا الأولى بالجامعة منذ أكثر من ربع قرن ونحن نسمع تعبير «عصر المعلومات» واذكر ان الكثيرين من زملائى واصدقائى كانوا إما يستخفون بالتعبير واما يقفون امامه بالكثير من المهابة واحيانا بالخوف. بعد ذلك هدأ روعنا ووعينا المعانى أكثرا فأكثر. كنا نتساءل لماذا يسمى عصر المعلومات رغم ان كل عصر امتلأ بمعلومات مختلفة ومغايرة ومبتكرة عما سبقه، لكن الدرس الذى تعلمناه ان هذا العصر يمتاز بحجم غير مسبوق فى وفرة المعلومات وسهولة الوصول اليها وسرعة تداولها وقدرتها على التأثير بل وتغيير حياة البشر فى لحظة. من قيام الحروب حتى التنبؤ بالكوارث الطبيعية، أصبحت المعلومات هى السلاح الاهم بل والعنوان الاكبر للعصر. ليس فى حياة الدول فقط، لكن فى الحياة اليومية للبشر. وأصبحت محركات البحث عن المعلومات واشهرها جوجل هى معجزات العصر الكبري، وجاء الفيس بوك ليصبح الشغل الشاغل للعباد والجنسية الاولى لهم والمكان الذى يمارسون فيه حياتهم بكاملها بكل تفاصيلها وكل المشاعر فيها. اليوم اوروبا تتخذ اجراءات جديدة للحد من تزوير المعلومات. آخر اكذوبة انتشرت بسرعة الهشيم وكادت تتسبب فى حرب اهلية على حد وصف السلطات الاوروبية هو ان ساعة بيج بن الشهيرة بلندن سيطلق عليها «سمب محمد». وتم اكتشاف ان الخبر الكاذب منقول عن صحيفة روشدال هيراليد الساخرة والتى تتخصص فى اختلاق اخبار مضحكة على سبيل التنكيت وهو نوع من الصحافة موجود فى العالم بأشكال وألوان مختلفة ربما اشهر نموذج منه الصحيفة الفرنسية الاشهر «لو كانار اونشينيه». اوروبا الرسمية مستنفرة اليوم لمحاربة اى تزوير او تشويه للمعلومات حتى لو كان نكتة صغيرة لايمانها بأن معظم النار من مستصغر الشرر. وهى تولى اهمية كبيرة لاى هاشتاج او حملات افراد على موقعى فيس بوك وتويتر يحملون اى صيغات للكراهية ضد المسلمين او المهاجرين عموما مثلا او ضد اليهود (ما يسمى معاداة السامية) او ضد جماعات او افكار بعينها. ترى اوروبا ان المعلومات المختلقة تفسد الحياة السياسية والاجتماعية باوروبا، وكان لها تأثير بالغ السوء على استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبى وكذلك على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الاخيرة فى فرنسا وهولندا.المانيا هى الاخرى قلقة جدا بشعارات النازيين الجدد المنتشرة على الانترنت والتى تمتلئ بخطابات الكراهية وإهانة الآخرين والدعوة للعنف وغيرها. اوروبا كلها ممثلة فى حكوماتها تتحد الآن ضد البروباجاندا والمعلومات المشوهة اوما يسمونه بالصحافة الفقيرة ومعناها عندنا الصحافة الصفراء. واوروبا حدثت لها حالة ذعر عندما صدرت دراسة حديثة عن البروباجاندا الاليكترونية لمعهد اوكسفورد للانترنت اكدت من خلال البحث الاستقصائى ان نحو نصف القصص التى انتشرت على الفيس بوك بامريكا آخر خمس سنوات وحتى آخر انتخابات رئاسية كانت قصصا كاذبة ومختلقة ولا تقوم على قواعد الدقة والتقصى حسب اى اعراف دولية معتبرة. اوروبا تعترف ان لديها وسائل اعلام تابعة لاتجاهات اقصى اليمين منها صحيفة برايتبارت والمنتشرة فى اكثر من بلد اوروبي. جمهورية التشيك من جانبها انشأت من خلال وزارة الداخلية مركزا لمحاربة الارهاب والتهديد الاليكتروني. فى اوكرانيا انشأ مجموعة من الأساتذة والباحثين بمعهد موهيلا للصحافة هناك مركزا للتحقق من صدقية المعلومات. ولعب المركز دورا هائلا فى مواجهة اكاذيب وسائل اعلام قال المركز انها ممولة من اطراف معادية. من ضمنها الاشاعات المنتشرة والتى تم ضحدها ان بعض وزراء الحكومة من النازيين الجدد. الاتحاد الاوروبى انشأ معهدا لمحاربة التلاعب بالمعلومات يسمى ايست ستراتكوم. وفى اليوم العالمى لحرية الصحافة بمايو الماضى هب النواب الاوروبيون فى الحفل المخصص لذلك رافضين تخفيض ميزانيات قنوات التلفزيون العامة الممولة من الدول لتمتعها بالكثير من القواعد المهنية . السلطة القضائية الفرنسية دخلت على الخط و فتح النائب العام هناك تحقيقا حول تزوير المعلومات فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية بناء على شكوى من المترشح وقتها ايمانيول ماكرون الذى اصبح رئيسا فيما بعد. وكانت شكواه على الشائعات والمعلومات المغلوطة التى انتشرت حوله بغرض تشويهه وصرف الناخبين عنه. المانيا اتخذت خطوة رائعة للامام باقرار قانون يعاقب بغرامة تصل الى 50 مليون يورو مواقع التواصل مثل الفيس بوك وتويتر اذا ما تركت رسائل كراهية او تشويها للمعلومات فى غضون 24 ساعة من ابلاغ السلطات الالمانية لها بالمخالفة. فيس بوك من جهتها رحبت بالقانون واصبحت تزيل بشكل منتظم أى اكاذيب. العالم يتغير. فهل نتغير نحن ايضا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف