حين جلست في مقعدي بمسرح الطليعة. وتهيأت لمشاهدة مسرحية "يوم أن قتلوا الغناء" كان قد مضي علي ترددي علي المسرح أكثر من عشر سنوات.
قوام المسرحية من الشباب. المؤلف محمود جمال. والموسيقي أحمد نبيل. والديكور د. محمد سعد. والملابس مروة منير. والمخرج المنفذ محمود يحيي. والمخرج تامر كرم. والممثلون ياسر صادق. طارق صبري. هند عبدالحليم. د. علاء قوقة. هند عبدالحليم. محمد ناصر. وأعتذر للاقتصار علي تحية بقية الأسماء.
الاختلاف واضح للكثير مما اعتاد المسرح المصري تقديمه في السنوات الأخيرة. قيمة العرض في أنه يتجه إلي ذهن المتلقي ووجدانه. وليس إلي غرائزه. ولا إلي "فشته" لتعوم من الضحك!
التلخيص - في المساحة المتاحة - صعب. لكن المسرحية تعيدنا - بفضائها الأسطوري - إلي حكاية الأخوين قابيل وهابيل. وإن تضمنت أبعاداً جيدة في الابن الذي قتل الأخ التوءم فتاة لتعالي صوتها بالغناء. ولأن الأسطورة جعلت الابن يمتلك قدرات خارقة. فقد نشأه الأخ التوءم محترفاً للقتل. فالشاب القوي البنية يقتل كل من يدافع عن فكرة. أو يناقش. أو يعترض.
إذا كانت الفكرة قيمة في حياة الإنسان فهي لابد أن تبقي.. لكن الأخ التوءم يرفض الخروج عن حكمه. عن سطوته. يتوسل إلي ذلك بآلهة من صنعه. فيسكت الأصوات قبل أن تعلو بالهمس!
كطبيعة الأمور. فقد تعاظمت ردود الأفعال المحذرة والرافضة والمقاتلة. دفاعاً عن حق الفكرة في الوجود. وقرنت تحركاتها بسفينة تذكرنا بسفينة نوح. تنطلق بمن بقي من المدافعين عن الحرية والغناء والحب.
لم أشاهد مسرحيات يوسف وهبي في مسرح رمسيس. عرضها الأولي زامنت طفولتي. ولم يتح لي مشاهدتها في عروض الإعادة.. لكنني استعدت يوسف وهبي في عمليات القتل الجماعي التي كانت سمة لمسرحه. غالبية الممثلين يسقطون صرعي رصاصاته وطعناته. خشيت أن يتحول القتلة في هذه المسرحية - وهم كثر - بأسلحتهم "الوهمية" إلي الجمهور المتلقي. ليعمقوا المأساة!
تصورت لو أن مخرج المسرحية لجأ إلي فعل مناقض لفعل القتل الجماعي - وفنية الدراما بلا آفاق! - فإن السفينة كانت ستضم بشراً أحياء. يدفعهم الأمل إلي التغني بالحب والعدل والحرية. وليسوا موتي في معني أثق أنه يختلف عن المعني الذي أراده صناع المسرحية.
المسرحية إرهاصة بمستقبل حقيقي للمسرح المصري. بعيداً عن الخطب الوعظية. وإثارة الغرائز. والإضحاك المفتعل!