محمد صابرين
نهاية «الرهان على ترامب» والبحث عن «بدائل أخرى»!
ترى هل حان الوقت للتوقف عن «الرهان على ترامب»؟! هذا سؤال شائك ومربك إلا أن ثمة شواهد كثيرة تدفع إلى الوقف عن الرهان على الرئيس الأمريكى. وقد تحول بالفعل إلى بطة «عرجاء» أو على أقل تقدير فإن الدولة العميقة هى من تدير المشهد الحقيقى، ويبدو ترامب فى صورة متزايدة شيئا ما للاستهلاك المحلى ، بل الارجح هو يقوم بإمتاع وامتصاص غضب قطاع عريض من المهمشين والمحبطين. ولكن فى نهاية المطاف علينا أن نرى «الأفعال لا الأقوال»، والواقع يقول إن أركان إدارته الذين رفعوا أجندة التغيير ـ الانفتاح على موسكو وتقليص نفوذ اللوبيات والمؤسسات الكبرى ـ قد رحلوا، وبدلا من التقارب جرى فرض عقوبات على موسكو. وفى الحالة المصرية فإن وزير الخارجية الأمريكى تيلرسون أقدم على تعليق 290 مليون دولار «حرمان مصر من مساعدات قيمتها 95٫7 مليون دولار، وتأجيل صرف 195 مليون دولار أخرى» بدعوى عدم احراز القاهرة تقدما فى ملف احترام حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية. وهذه الخطوة المهندسة بعناية ودقة تستهدف إفساد «الكيمياء الشخصية ما بين ترامب والرئيس السيسى، وعودة مرة أخرى للضغط بسلاح المساعدات. وأحسب أن المسألة تتجاوز «سوء التقدير لطبيعة العلاقة الاستراتيجية» ما بين القاهرة وواشنطن، وربما هناك أمور أخرى ؟!
وفى اللحظة الراهنة علينا أن نرصد ذروة «اغتيال الشخصية» لترامب، وهذه المرة جاءت من جيمس كلابر المدير السابق للاستخبارات الأمريكية فى عهد باراك أوباما. فقد أعرب عن قلقه من أن يكون ترامب قادرا بمفرده على اتخاذ القرار بهجوم نووى، وقال كلابر بصراحة شديدة ومثيرة للكثير من علامات الاستفهام. نعم.. أتساءل فعلا عن قدرته وأهليته لتولى هذه المهمة، وبدأت اتساءل عن دوافعه. والمثير للتوقف هو أن هذه عملية هجوم غير مسبوقة على «أهلية الرئيس»، وجاءت فى خلال تعليق له لشبكة سى، ان. ان. رأس الحربة فى الهجوم على ترامب، كما أن كلابر كان يعلق على تجمع أقامه ترامب فى مدينة فينيكس بولاية أريزونا، وهاجم ترامب خلال التجمع الحاشد لأنصاره الصحافة الأمريكية وأعضاء جمهوريين فى مجلس الشيوخ. ووصل مدير أجهزة الاستخبارات الأمريكية إلى قمة الهجوم بتأكيده أن ترامب يمكن أن يشكل تهديدا للأمن القومى الأمريكى؟! إذن الحرب باتت مفتوحة، والبعض يقول علانية أن الرجل قد لا يكمل ولايته، بل ربما يستقيل من المنصب قبل نهاية العام!
وأحسب أن «واشنطن العميقة» لا تشعر بكثير من الرضا عن محاولات مصر المستمرة لممارسة استقلال قرارها الوطنى، وسعيها الدءوب لعلاقات دافئة مع روسيا والصين. بالإضافة إلى توسيع دائرة الاصدقاء والشركاء. والجميع يدرك فى واشنطن زيارات السيسى المتكررة لآسيا، فضلا عن تركيزه على إفريقيا، ومحاولات القاهرة لتوسيع علاقاتها فى أوروبا لتتجاوز العواصم المؤثرة تقليديا مثل برلين وباريس إلى دول أخرى مثل المجر وبولندا ودول البلطيق.
إلا أن السؤال المهم يبقى هل معنى التوقف عن الرهان على ترامب أن نوقف العمل على التواصل مع أمريكا والإجابة «بالقطع لا». وهنا تكفى الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تستورد سنويا بـ 200مليار دولار، ومصر تصدر من خلال الكويز نحو 800 مليون دولار معظمها ملابس جاهزة. وأحسب أن القاهرة عليها أن تفعل المزيد من أجل زيادة صادراتها إلى السوق الأمريكية، وقدرة الاقتصاد المصرى. وفى هذه الحالة فإن مصر ستكون «نمرا اقتصاديا» على نهر النيل ليسرع الجميع الخطى لكسب وده، وأحسب أن المدخل الاقتصادى مسألة مهمة، وهنا يمكن لمصر أن تقيم «لوبى مصالح» من شركات البترول والغاز الأمريكية، وشركات الأسلحة، والشركات المصدرة للقمح، فضلا عن شركات التشييد والبناء، وأيضا لوبى «المال» من كبرى البنوك الأمريكية، «وصناديق الاستثمار» الأمريكية هؤلاء جميعا يجب أن يتم إعداد «خطة مفصلة» للتفاعل معهم، واستضافتهم بشكل دورى من أجل شرح المواقف المصرية، وتعزيز العلاقات ما بين واشنطن والقاهرة وهنا تكفى الاشارة إلى نموذج واحد يتعلق بشركة «جنرال اليكتريك» التى حصلت على حجم أعمال فى مصر يصل إلى عشرة مليارات دولار لاقامة محطات للكهرباء.
وهنا لابد من التفاهم مع مثل هذه الشركات الأمريكية العملاقة، واقناعها بأهمية استغلال نفوذها لدى الكونجرس والإدارة بشأن ضرورة تفهم حقيقة الأوضاع الدقيقة التى تمر بها مصر، وخاصة فى الحرب ضد الإرهاب. ويكفى أن نشير إلى أن صادرات واشنطن لمصر بلغت 7 مليارات دولار، وهو ما يعنى وجود قائمة جيدة من الشركاء.
وإذا ما مددنا النظر إلى أبعد من ذلك فإننا نصل إلى «قلب العلاقات المصرية الأمريكية»، وهو المتعلق بالتعاون الأمنى، ورغبة واشنطن فى «الحفاظ على علاقة استراتيجية» مع القاهرة، وذلك باعتبار مصر «حجر الزاوية» لاستقرار الشرق الأوسط، وأحسب أن الخارجية المصرية حاولت قدر المستطاع التعبير عن الغضب المصرى، وأكدت أن الخطوة الأمريكية تعكس «سوء تقدير» لطبيعة العلاقة الاستراتيجية التى تربط البلدين على مدى عقود طويلة، واتباع نهج يفتقر للفهم الدقيق لأهمية دعم مصر ونجاح تجربتها، وحجم وطبيعة التحديات الأمنية والاقتصادية التى تواجه الشعب المصرى، وخلط الأوراق بشكل قد تكون له تداعياته السلبية على تحقيق المصالح المشتركة المصرية الأمريكية. وأحسب أن «حدة الغضب» و «خيبة الأمل» من الإدارة الجديدة واضحة بشدة.
ويذهب البعض مثل السفير رخاء أحمد حسن مساعد وزير الخارجية الأسبق إلى أن توقيت صدور القرار الأمريكى ليس مناسبا، ويعد مؤشرا على تراجع فى الموقف الأمريكى تجاه مصر. وشرح الدبلوماسى المصرى علامات التراجع بقوله «لقد كان من المفترض أن يزور ترامب مصر، وتحديدا بعد القمة السعودية والقمة الخليجية، والقمة الإسلامية الأمريكية، وهو مالم يحدث حتى الآن. وأشار إلى أن ترامب لم يعد يتحدث عن مصر بالشكل الذى كان يبديه عند الحديث عن مشكلات الشرق الأوسط، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب، والتعاون فى مواجهته، ودور مصر فى تحقيق الاستقرار بالمنطقة. ويخلص إلى وجود «نوع من الفتور» فى العلاقات المصرية الأمريكية.
ويبقى أن ثمة مؤشرات توضح أن القاهرة وواشنطن ليستا على النغمة نفسها فيما يتعلق بدعم قطر للإرهاب، ولاشك أن الدوائر الأمريكية لا ترى بعين الرضا موقف مصر من الجمعيات الأهلية، ولا القانون المصرى الخاص بعمل هذه الجمعيات، والآن هذه الخطوة المفاجئة فى التوقيت، والتى لا تساعد على تعميق العلاقات المصرية الأمريكية. وأحسب أن القاهرة عليها أن تلوح بأن لديها «أوراقا كثيرة» يمكن أن تلجأ إليها للتعبير عن «عدم رضاها»، ولعل أبرزها «التعاون الأمنى»، و «الرسوم المعقولة» لعبور السفن الحربية وحاملات الطائرات، والتى يمكن زيادة رسومها على جميع الدول، أو التشدد فى منح الإذن بعبور الأجواء المصرية... الخ. فضلا عن التنسيق فى ملفات أمنية واستخباراتية عدة، والتنسيق السياسى. ومن هنا لابد للقاهرة أن تلوح، وللإعلام وأعضاء البرلمان أن يصرحوا بعدم الرضا، وألا نضع آمالا كبيرة على ترامب، وأن نبحث عن خيارات أخرى داخل أمريكا وخارجها.