الجمهورية
صلاح الحفناوى
"عروسة".. لعبة!!
اعترف بأن حديثها آلمني.. بأن قصتها هزتني وألجمتني.. فلذت بالصمت الذاهل.. حتي وهي تنسل بعدما أوجعتني بكلماتها التي لم تكن موجهة لي وحدي ولكن إلي كل رجل وأي رجل.. قالت وفي عينيها كل انكسار القهر: سيدي الرجل.. واسمح لي أن اعترف قبل أن أبدأ بأنك وكل الرجال أسيادي.. هل تسمح لي بأن اقترب من محرابك.. أن أجثو علي ركبتي أمامك احتراما وتقديرا واعترافا بسلطانك.. هل يتسع وقتك لكي تستمع إلي اعترافاتي النادمة لعلي أتطهر من وصمة أنوثتي التي لم اخترها.. فأنا يا سيدي امرأة منحرفة متمردة سيئة السمعة والسلوك.. هكذا تؤكد خانة الحالة الاجتماعية في بطاقة هويتي.. فإذا ما طالعت سيرتي الذاتية ستجد الدليل والبرهان.. وإن كنت لا تحتاج إلي دليل أو برهان.. فأنت بالنسبة لي القاضي والجلاد.. أنت يا سيدي.. وعذرا لصراحتي.. سر بلائي وسبب شقائي.. وأنت حلمي وأملي.. أتعذب بك واشتاق إليك.
اسمي.. امرأة.. بطاقة هويتي تشير إلي أن عمري لم يتجاوز الثانية والعشرين.. وأمام خانة الحالة الاجتماعية عبارة مطلقة.. ونسي موظف تحرير الهوية أن يضيف إليها "للمرة الثالثة".. فأنا يا سيدي نعمت بقربك ووصالك 3 مرات بالتمام والكمال.. قبل أن تلفظني في كل مرة.. وبما انك لا تخطئ أبدا.. فأنا بالتأكيد المخطئة الوحيدة التي لا تستحق جنة قربك.
سيرتي الذاتية لا تؤهلني للنجاح في اختباراتك.. لا تسمح لي بفرصة رابعة.. فمن كانت في مثل سني وتحمل وصف مطلقة ثلاثية الأبعاد لا تستحق فرصة أخري.. هي فقط تصلح عشيقة أو خليلة.. أما أن تكون زوجة صالحة تحلم بالأمومة وتتطلع إلي الأمان والسعادة.. فهو تجاوز غير مسموح به لأمثالي.
هل يتسع وقتك يا سيدي لتسمع قصتي؟.. أعرف أن اعترافاتي لن تغير واقعي.. لن تبدل مستقبلي.. لن تصحح صورتي.. أعرف أنك سوف تزم شفتيك امتعاضا.. ولكني برغم كل ذلك ضعيفة أمام تلك الرغبة الجامحة في الاعتراف أمامك بما فعلته بي ولم افعله بنفسي.
اذكر ذلك اليوم جيدا.. كنت عائدة لتوي من المدرسة.. كنت في الصف الثالث الإعدادي.. طفلة لم تتجاوز الرابعة عشرة من عمرها.. استقبلني سيد حياتي الأول "أبي" بابتسامة واسعة مشرقة علي غير عادته.. قال لي مداعبا: كبرت يا "ملعونة" وأصبحت عروسا.. ستتزوجين الأسبوع القادم.. تقدم لك عريس لقطة تتمناه كل فتيات البلدة.. وتعالت الزغاريد وعم الفرح الجميع ففرحت معهم: فرحت بالفساتين الملونة والهدايا الجميلة التي لم اختر منها سوي علبة حلوي فاخرة.. فأنا أحب الحلوي كحبي لدميتي الصغيرة الجميلة التي أصررت علي احتضانها طوال ليلة العرس وعلي اصطحابها معي إلي عش الزوجية.
تركت الدراسة والمدرسة وانتقلت إلي بيت زوجي الذي يكبرني بحوالي أربعين عاما.. وهناك التقيت بزوجته الأولي وبأولاده الذين يكبروني بسنوات والذين كنت أجد سعادتي في اللعب معهم طوال اليوم حتي يحل الليل لتبدأ رحلة الألم والعذاب والبكاء عندما يشرع زوجي في الحصول علي حقوقه الزوجية التي لم أكن أعرفها ولا أحبها.. وقبل أن يكتمل العام الثاني علي زواجي كنت احمل لقب مطلقة.. فقد شبع مني العجوز المتصابي وسئم اللعبة واشتاق إلي غيرها.. وهكذا أصبحت أحمل وصف مطلقة وأنا في السابعة عشرة من العمر.. لتبدأ المرحلة الثانية من رحلتي في عالمك يا سيدي الرجل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف